رؤية. وقلب الكافر كان مشغولا بمحبة الصنم فلذلك لا يعرفه حين يرى الدلائل الظاهرة.
وقيل : إنه كان متبرقعا ، فلذلك لم يعرفوه ، ودخلوا عليه وهو على هيئة عظيمة من الملك.
وقصته من أولها إلى آخرها عجيبة ، كما قال تعالى : (آياتٌ لِلسَّائِلِينَ). وقد تكفل بجمعها وما فيها من النكت والإشارات والفوائد الإمام الهمدانى وهو عجيب لمن تأمّله.
(نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (١)) ؛ أى أفسد وأغوى. وإنما قال يوسف هذا القول لما رأى من لطف الله تعالى ، حيث أضاف الكذب إلى القميص ، فتأدّب وأضاف ذنبهم إلى الشيطان والإخوة إلى نفسه ، ولم ينفهم عن نفسه ، لكيلا يهتك أستارهم ، وتسوء ظنونهم.
وكذلك قال الله تعالى (٢) : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) ـ حتى تتأدب الملائكة بذلك ، فلا يذكرون فى القيامة زلّتك ولا يهتكون سترك.
(نارِ (٣) السَّمُومِ) : أى حرها. وهذا من قول إبليس بزعمه الفاسد أن النار أقوى من الطين ؛ وليس كذلك ؛ بل هى فى درجة [١٩٨ ا] واحدة من حيث هى جماد مخلوق ، فلما ظنّ إبليس أن صعود النار وخفّتها تقتضى فضلا على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق من الطين ، فأخطأ قياسه ، وذهب عنه أن الروح الذى نفخ فى آدم ليس من الطين.
وهذا التعليل يقتضى الاعتراض على الله تعالى فى أمره بسجود الفاضل المفضول على زعمه ، وبهذا الاعتراض كفر إبليس ، فكفره كفر مجرد.
__________________
(١) يوسف : ١٠٠
(٢) آل عمران : ١٥٥
(٣) الحجر : ٢٧