(نَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ (١)) : هذا من كلام إخوة يوسف لما قال لهم : ائتونى بأخ لكم من أبيكم ... الآية. فطلبوا من أبيهم ، وواعدوه بالميرة [١٩٧ ب] وهى سوق الطعام ؛ وواعدوه بحفظ أخيهم لما تقدّم منهم من الجفاء ؛ وعدم الوفاء ؛ وأخبروه بوفاء الملك لهم إن أتوه به ، وأعانهم يوسف على ذلك ؛ فجعل البضاعة فى رحالهم ليكون لهم تقوية على الرجوع إلى مصر مرة أخرى ، حتى يرى يوسف أخاه ، وكذلك كتم الله بضاعة الإيمان فى قلب المؤمن ليكون له تقوية للوصول إلى جنته ، حتى يرى المولى ؛ فلما سمع يعقوب مقالهم أسلم لهم بنيامين (٢) وأخذ عليهم العهد (٣) : (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) ؛ أى تغلبوا ، فلا تطيقون.
فدخلوا على يوسف وهو على سرير فى حجاب ، فلما رآه بنيامين (٢) تذكر يعقوب وبكى بكاء كثيرا ، ثم أمر الحاجب بسؤالهم عن أبيهم ، فسألهم ، فقالوا له : هو فى البكاء والحزن والتضرع ، ثم أمر برفع الحجاب ، فسلّموا جميعا عليه ، وأعطاه بنيامين (٢) كتاب أبيه ، فأخذه وقبّله ، ثم أرخى الستر عليه ، وقرأ الكتاب ؛ فإذا فيه الوصية على ولده ، وما جرى ليوسف من قبله ؛ فبكى وغيض دمعه ، ثم أمر بالطعام فأحضر ، وأمرهم بالجلوس مثنى مثنى ، من كان لأب وأم فى مائدة واحدة ، فبقى بنيامين وحيدا فبكى ، فسألهم ممّ بكاؤه؟ فقالوا : كان له أخ لأمه فأكله الذئب ، فقال يوسف : اجلس معى يا فتى ، ولا تأكل وحيدا ؛ فلما دنا من يوسف ورآه غشى عليه ، فلما أفاق قال له يوسف : أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون.
والنكتة فيه أنّ بنيامين (٢) كان وحيدا متحيّرا غريبا ، فقال له يوسف :
__________________
(١) يوسف : ٦٥
(٢) فى ا : ابن يامن. وسيأتى بعد كما أثبتناه عن القرطبى ، وغيره ، من كتب التفسير.
(٣) يوسف : ٦٦