لما رجع إلى الله ردّ الله عليه ملكه. وموسى لما رجع إلى الله ردّ الله عليه عصاه ؛ فقال له : خذها ولا تخف. ويعقوب قال : إنما أشكوا بثّى وحزنى إلى الله جمع الله شمله به ؛ وإبراهيم لما رجع إلى الله فى ذبح ولده فداه الله بذبح عظيم.
وتأمّل هذا اللطف منه سبحانه حيث لم يرد مواجهة خليلة بقتل ولده بالوحى ، فأراه فى المنام ؛ وكذلك الحق سبحانه يقول : «ما تردّدت فى شىء كترددى فى قبض روح المؤمن ؛ هو يكره الموت وأنا أحبّ لقياه».
(مُلِيمٌ (١)) ؛ من اللوم ، وهو التعيير ؛ وذلك أنه فعل ما يلام عليه فى خروجه من قومه بغير إذن ربّه ، فحبسه فى بطن الحوت حتى طهره ، وأخرجه بتسبيحة واحدة ؛ وكذلك المؤمن يحبسه فى النار حتى يطهره من غير ألم يناله (٢) فيها لأن له عقد الوصلة ، كأيوب حلف أن يضرب زوجته (٣) مائة سوط ، فأمره الله أن يأخذ بيده ضغثا ـ وهو ملء كفّ من الحشيش كى لا تتأذّى امرأته بالضرب.
فإن قلت : كيف يجمع بين هذا وبين قوله (٤) : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) ـ فإنها تقتضى أنه لو لا التسبيح للبث ، فاللبث منتف لوجود التسبيح ؛ وهذه تقتضى لو لا تداركه النعمة لنبذ ، وهو مذموم ؛ فهو يقتضى انتفاء النبذ ، وانتفاء النبذ هو اللّبث ، وهذه [١٨٩ ا] تقتضى ثبوت اللبث لا انتفاء اللبث ، والأولى تقتضى انتفاء اللبث وكون اللبث مثبتا منفيا محال ؛ أو يقال الأولى تقتضى ثبوت النبذ والثانية انتفاؤه.
__________________
(١) الصافات : ١٤٢
(٢) فى ا : تبا لهم لأن لهم.
(٣) فوقها فى ب : امرأته.
(٤) الصافات : ١٤٣