فإن كان ملكا دنياويا أرضاه المال ، وإن كان نبيئا لم يرضه المال ؛ وإنما يرضيه دخولنا فى دينه.
وقد أكثر الناس فى وصف هذه الهدية ، تركناه لطوله ؛ فانظر هذا اللطف والسياسة من نبىّ الله سليمان فى دعاية بلقيس إلى الإيمان ؛ فقدّم لها أولا الكتاب ، وقدم فيه اسمه على اسم الله ؛ لأنه واسطة بينه وبين الله ، ولما كان الأنبياء فى البشرية من جبلّة المرسل إليهم ، وجنسهم فى الظاهر ، واصطفاهم الله بعلمه وحكمته ، كانوا أكثر فهما وإدراكا. ولذلك قال لمن أتى بهديّة بلقيس (١) : (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) ؛ فلما رأت ذلك منه خافت وفزعت وأسلمت مع سليمان.
فإن قلت : كيف خفى على سليمان مكانها ، وكانت المسافة بين محله وبين بلدها قريبة ؛ وهى مسيرة ثلاث بين صنعاء ومأرب؟
فالجواب أن الله أخفى ذلك عنه لمصلحة رآها ، كما أخفى مكان يوسف على يعقوب.
فإن قلت : كيف قال الهدهد : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ـ مع قول سليمان : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ، كأنه سوّى بينهما.
والجواب فرق ما بينهما أنّ سليمان قال ذلك من المعجزات والنبوءة وأسباب الدين وأسباب الدنيا ؛ فهذا العطف على شكر مولاه وعطف الهدهد على الملك ، ولم يرد إلا ما أعطيته بلقيس من أسباب الدنيا اللائقة بحالها ؛ فبين الكلامين بون بعيد.
__________________
(١) النمل : ٣٦