فإن قلت : لم ذكر النفى قبل الإثبات؟
والجواب : لإكمال المدحة ؛ لأن قول الرجل : لا عالم فى البلد إلا فلان أمدح من قولك : فلان عالم فى البلد.
وأيضا فالنجاة من النار أولى من دخول الجنة ، فأمر الله أوّلا بما ينجّى من النار ، وهى البراءة من عبادة الأصنام ، ثم بالتوحيد الذى يدخل الجنة.
وأيضا فنفى الإلهية عن الأصنام إثبات الألوهية لله ؛ وليس فى إثبات الإلهية لله نفى الإلهية عن الأصنام ؛ لأن العاقل لا يكون بغير التولّى إلى معبوده ، فإذا نفى الإلهية عن الأصنام ثبت تولّيه إلى الله ، وإذا أثبت الإلهية لله فليس يتبرأ عن الأصنام ؛ لأنه ربما يكون لواحد معبودان ، فما أشرف هذه الكلمة المشرفة إن وفّقت إليها ، وأماتك الله عليها ، ألا تراها تسعة عشر حرفا على عدد الزبانية ، وكلماتها سبعة على عدد أبواب جهنم.
ولما كان النهار نصفان والليل نصفان كانت الأنصاف أربعة ، ليكون من قالها فى اليوم والليلة مغفورا له ذنوب ما عمل فيهما.
(مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ (١)) : من التّبار ، وهو الهلاك. والضمير عائد على القوم الذين قالوا لموسى : اجعل لنا إلها نعبده كما يعبد هؤلاء أصنامهم ، فقال لهم : أتريدون أن تهلكوا كما هلك هؤلاء؟
(مُبْصِرُونَ (٢)) : هو من بصيرة القلب ؛ يعنى إذا لمسهم طائف من الشيطان تذكّروا عقاب الله ، أو رجاء ثوابه ، أو مراقبته أو الحياء منه ، أو عداوة الشيطان والاستعاذة منه ، والنظر والاعتبار ، وغير ذلك.
__________________
(١) الأعراف : ١٣٩
(٢) الأعراف : ٢٠١