تنبيه
جميع الرسل جاءت [١٨٥ ب] بهذه الكلمة المشرفة دون سائر الطاعات ؛ وأول من شهد بها الله وملائكته ثم الرسل ؛ قال تعالى (١) : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ ...) الآية ؛ ثم أمرك بها فى قوله (٢) : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ؛ ولا يبقى فى الجنة غيرها والقرآن ، والحمد لله ، والحب لله ؛ فعليك أيها الأخ بحفظها ، ولا تدنّسها بالمعاصى ؛ وإن قدّرت عليك فامحها بتوبة ، كالثوب تغسله كلما تدنس ؛ وإن لم تتب وتوسخ فيوم زينة المحشر ما تلبس؟ وحرّض عليها من أحببته أو تعلق بك.
فإن قلت : لأى شىء ذكر الشهادة على نفسه ، مع أن الشهادة من النفس لا تقبل؟
فالجواب أنّ الله لما بعث نبيه محمدا بالرسالة ، وأمرهم بتوحيد الله ، فقال : «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» ؛ فقالوا : من يشهد أنك رسول الله؟ قال لهم : أى شىء أكبر شهادة؟ فقالوا : الله أكبر شهادة ؛ فأنزل الله الآية.
ومعناها شهد شهادة فرضيها ، وأمر الخلق بها بعد شهادته لنفسه فى أزله ؛ ففيها رجاء لهذه الأمة ، وذلك أنه مدح أهل الطاعة على اختلاف أحوالهم من التائبين والعابدين ، وغيرهم ، يرجّى من لم يكن له عمل غير الشهادة ، وقال (٣) : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ ...) إلى قوله (٤) : (لِكَلِماتِ رَبِّي). وهى شهادة أن لا إله إلا الله.
__________________
(١) آل عمران : ١٨
(٢) آل عمران : ٦٤
(٣) الكهف : ١٠٧
(٤) فى الآية ١٠٩ من السورة نفسها.