صاح فرعون ونادى : أغثنى يا موسى ؛ فأخذ موسى عصاه ، فعادت إلى حالتها الأولى ؛ فلما رآها السحرة خرّوا سجّدا ، وكشف الله لهم حجاب الأرض ؛ فرأوا الثرى ، ورفعوا رءوسهم فنظروا إلى العرش فاشتاقوا لقاء الله ، فقالوا : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ، رَبِّ مُوسى وَهارُونَ.) فقال لهم فرعون : (آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ...) الآية» ؛ فقالوا : لا ضير يا فرعون ؛ إنك لا تقطع إلا الأيدى والأرجل ، ولا تقطع المحبة والمعرفة من قلوبنا.
والنكتة فيه أنّ السحرة كانوا مع الكفر والخيانة ، وأقسموا بعزّة فرعون ، وقصدوا المعارضة مع معجزة الرسول ، فلما سجدوا سجدة واحدة مع هذه الكبائر ، رفع الله لهم حجاب الأرض والسموات ، وأكرمهم بالإيمان. وأنت يا محمدىّ إذا سجدت له سبعين سنة أو أكثر ، وقصدت بيت الله بالتوبة والندامة ، وطهّرت نفسك من الحدث والخيانة أفتراك بحصر ما أعدّ لك من الكرامة؟ كلا وعزته ليكشفن لك عن ذاته حتى تتمتّع بقربه فى جواره.
(مُبِينٌ (١)) : نعت لثعبان ، وقد قدمنا أنه صار كالجبل العظيم ؛ ففي هذه الآية سماه ثعبانا ، وفى أخرى حيّة ، وفى أخرى جان ، وفى أخرى عصى ؛ كلّ ذلك تعظيما لها ، وكيف لا وقد أهلكت سبعين ألف وقر من السحر ، وسمّى كلمة التوحيد بسبعين اسما ؛ ولذلك أهلكت سبعين سنّة بالكفر. هذه العصى معجزة موسى بكلمة التوحيد الذى هى كلمة المولى. اللهم إنا نستودعكها فأحينا عليها ، وأمتنا عليها ، وثبّتنا عند الحاجة إليها بجاه كلامك ونبيك صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) الأعراف : ٦٠٧