وهذه الدرجات مبنية على التوحيد الخاص ، فهى تقوى بقوّته ، وتضعف بضعفه.
فإن قلت : هل يشترط فى التوكل ترك الأسباب أم لا؟
فالجواب أنّ الأسباب على ثلاثة أقسام :
أحدها سبب معلوم قطعا قد أجراه الله ، فهذا لا يجوز تركه ، كالأكل لدفع الجوع ؛ واللباس لدفع البرد. ولا يجوز ترك ما يؤذى النفس ولا استعمال إذايتها ، وقد سئل الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام عمن ترك الأكل حتى أضعف النفس عن الصلاة والنكاح ، وترك الواجبات. فأجاب بأنه لا يجوز استعمال ما يخلّ بالواجبات.
والثانى سبب مظنون ؛ كالتجارة وطلب المعايش وشبه ذلك ، فهذا لا يقدح فعله فى التوكل ؛ بل يجب استعماله ؛ وهو أفضل من العبادة ؛ لأن طلب الحلال فريضة على كل مسلم. وفى الحديث : «من بات تعبا من الحلال يات مغفورا له.» والاشتغال بالكسب لإغناء النفس أفضل من العبادة واحتياجها (١) ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم فى رجل قالوا له فيه : ما أطول عبادة فلان! فقال : من أين قوته؟ قالوا : من عندنا يا رسول الله. قال : أنتم أعبد منه.
وحكاية الثلاثة نفر المعتكفين فى المسجد ، وإخراج عمر أحدهم لكونه كان يسأل الناس معلومة (٢).
ولمّا بنى إبراهيم عليهالسلام البيت صلى فى كل ركن منه ألف ركعة ، فأوحى الله إليه : رغيف فى بطن جوعان (٣) أفضل عندى من عبادتك هذه.
__________________
(١) أى احتياج النفس.
(٢) أى الحكاية.
(٣) فى ا : جيعان.