الآن وصلت. هذا حال أبى يزيد الذى ترك ما يريد لما يريد ، فكيف حال من خالف أمر مولاه فى كل ما يريد.
وقال بعضهم : رأيت سفيان الثورى بعد موته فى المنام ، فقلت له : ما فعل الله بك؟ فقال : أوقفنى بين يديه ، فرأيت ذلّ العبودية ، وعزّة الربوبية ، فليتنى لم [١٨٢ ب] أبرح. ثم أمر بى إلى الجنة. فأقبلت أمشى بين أنهارها وأشجارها لا أسمع حسّا ولا أرى شخصا ، فإذا النداء : يا سفيان. قلت : لبيك! لبيك! فقال : هل كنت إلّا عبدا فى الدنيا تؤثرنا على من سوانا؟ فقلت : أنت أعلم يا ربّ. فلم أزل أمشى حتى استوحشتنى الحور العين.
فإن قلت : ما معنى هذا الوقوف وهذا الحساب هنا ، وإنما يكون فى الدار الآخرة؟
فالجواب : هذا هو العرض الذى يعرض فيه العبد على ربه بعد مفارقة جسده ، وحينئذ يبدو له منزله ، وما أعدّ الله له ، يشهد لذلك الحديث لعائشة : ذلك العرض ؛ ومن نوقش الحساب عذّب. والكلام هنا طويل ، ليس هذا محل بسطه.
(من يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١)) : هذا من كلام الجن الذين أتوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن مسعود : كنّا مع النبى صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه فى الأوردية والشّعاب ، فقلنا : استطير واعتيل ، فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم ؛ فقلنا له : يا رسول الله ، ما الذى أصابك؟ فقال : أتانى جاء من الجن ،
__________________
(١) الجن : ١٣