فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله شىء»
. فانظر يا أخى عظيم فضل الإقرار ، وقبح الإنكار فيمن أنكر أفعاله ، حتى تشهد عليه جوارحه ، اللهم إنا مقرّون بأنا مطيعون عدوّك إبليس الذى أبلسته (١) من عدم طاعته لأبينا آدم ، ولا حيلة لنا بالفرار مع غوايته إلا بتوفيقك ، فثبّتنا على عصيانه هنا ويوم الوقوف بين يديك ؛ فإنك تعلم أنّا لا نعصيك لجهلنا بمعصيتك ، ولا نتعرض لعقوبتك ؛ وإنما جهلنا قدرك ؛ فمن ينقذنا من عقوبتك إن عاقبتنا؟ ومن يوصلنا لرحمتك إن قطعتنا؟ وبحبل من نعتصم إن طردتنا وأخجلتنا من الوقوف بين يديك ؛ إذ ليس لنا حجة تجاحظ عنا غير رحمتك التى أعددتها لعصاة عبادك ، وقد بلغنا عنك أنك تقول لعبد من عبادك : فأى الأمرين أحبّ إليك أن أجزيك بعملك أم بنعمتى عليك؟ فيقول : يا رب ، أنت تعلم أنى لم أعصك. فتقول : خذوا عبدى بنعمة من نعمى ، فما تبقى له حسنة إلا استفرغتها تلك النعمة. فيقول : يا رب ، بنعمتك ورحمتك ، هذا حال من لم يعصك يتعلق برحمتك ، فكيف حال من لا يجد فى صحيفته حسنة ، لكن جودك يعمّ المفاليس.
قال بعض المحبين : رأيت أبى يزيد بعد موته فقلت له : ما فعل الله بك؟ فقال : أوقفنى بين يديه ، وقال : بأى عمل قدمت إلى حضرتى؟ وبأى وسيلة توسلت إلى رحمتى؟ فكلما ذكرت شيئا من طاعته قابلنى بجزء من نعمته ، حتى اضمحلّت أعمالى ، وفنيت أقوالى ، وعظمت حيرتى ، واشتدت كربتى ، فقلت : يا رب ، جئتك بك إليك ؛ فنادتنى الملائكة من سائر جهات العرش :
__________________
(١) فى القاموس : أبلس : يئس ، وتحير ، ومنه إبليس ، أو هو أعجمى.