فى المستقبل لم يعذّبوهم ؛ فلذلك ذكره بلفظ المستقبل ؛ فكأنه قال : إلا أن يدوموا على الإيمان.
(ماءٍ دافِقٍ (١)) : من الدفق ، بمعنى الدّفع ، فقيل معناه مدفوق وصاحبه هو الدافق فى الحقيقة ؛ فقال سيبويه : هو على النسب ؛ أى ذو دفق. وقال ابن عطية : يصحّ أن يكون الماء دافقا ؛ لأن بعضه يدفق بعضا ؛ ومقصود الآية إثبات الحشر ؛ فأمر الإنسان أن ينظر أصل خلقته ؛ ليعلم أن الذى خلقه من ماء دافق قادر على أن يعيده.
ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أنه لما أخبر أن على كلّ نفس حافظا (٢) يحفظ أعمالها أعقبه بالتنبيه على الحشر ، حيث تجازى كلّ نفس بأعمالها.
(ما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (٣)) : الضمير للإنسان ؛ ولما كان دفع المكاره فى الدنيا إمّا بقوة الإنسان أو بنصرة غيره له أخبر الله أنه يعدمهما يوم القيامة.
(ما شاءَ اللهُ (٤)) : فيه وجهان :
أحدهما ـ أن معناه لا تنسى (٥) إلا ما شاء الله أن تنساه ؛ كقوله : أو ننسيها.
والآخر ـ أنه لا تنسى شيئا ، ولكن قال : إلّا ما يشاء الله ـ تعظيما لله بإسناد الأمر إليه ، كقوله : خالدين فيها إلا ما شاء الله ، على بعض الأقوال.
وعبّر الزمخشرى عن هذا بأنه من استعمال التقليل فى معنى النفى ؛ والأول
__________________
(١) الطارق : ٦
(٢) فى الآية الرابعة من السورة نفسها.
(٣) الطارق : ١٠
(٤) الأعلى : ٧
(٥) فى الآية التى قبلها : ٦