من غير تفضيل ؛ فمن قضى عليه بالمعصية أو الكفر ـ والعياذ بالله ـ فالواجب عليه أن يلاحظ جهة المعصية والكفر فيكرههما. وأما إن قدر الله فيهما فالرضا ليس إلا. ومتى تسخّطه وسفه الربوبية فى ذلك كان ذلك معصية ، وكفرا منضمّا إلى معصيته وكفره على حسب حاله فى ذلك. أما إذا تاب ورجع إلى الله من ذلك فلا شكّ أنّ المعصية فى حقه نعمة من الله عليه ؛ لأن الذنب يورث الافتقار ، والطاعة تورث الاستكبار ؛ والمعصية تورث ذلا وافتقارا خير من طاعة تورث عزّا واستكبارا. قال صلىاللهعليهوسلم : لو لا أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب ما خلّى الله بين عبد وبين ذنب أبدا. وفى الحديث : «إن إبليس ليوقع العبد فى معصية فلا يزال هذا العبد نادما عليه وخائفا من عقوبته ، فيقول إبليس : يا ليتنى لم أوقعه فيه» ، والكلام هنا طويل تركناه لذلك.
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ... (١)) الآية : ندب الله عباده فى هذه الآية إلى الإنفاق فى سبيل الله ؛ وهذا من لطف الله بهم ؛ تارة يدعوهم إلى الزّهد فى الدنيا والخروج عنها بالإقراض ، وتارة بلفظ المضاعفة ؛ فهنيئا لكم أيتها الأمة بما خوّلكم مولاكم.
وسبب نزول هذه الآية أنه لما نزل قوله تعالى (٢) : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) ـ شقّ ذلك على النبى صلىاللهعليهوسلم لأجل الأمة ، ولم يرض بذلك ؛ فأنزل الله : أولئك يؤتون أجرهم مرتين ، فلم يرض بذلك ؛ [١٧٧ ا] فأنزل الله : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، فلم يرض بذلك ، وقال : رب زد أمتى ؛ فأنزل الله : والله يضاعف لمن يشاء ؛ فقال : رب ؛ زد أمتى ؛ فأنزل الله : من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا ... الآية.
__________________
(١) الحديد : ١١
(٢) الزلزلة : ٧