يقوم مقامه بما هو أيسر فهو تسخّط بقضاء الطبيب ، وإذاية له ، وجناية عليه ، بحيث لو سمعه الطبيب كره ذلك ، وشقّ عليه. وإن قال : هذا الدواء مرّ قاسيت منه شدائد ، وقطع اليد لى منها آلام عظيمة مبرحة فهذا سخط بالمقضى الذى هو الدواء والقطع لا بالقضاء الذى هو ترتيب الطبيب ومعالجته ؛ فهذا ليس يقدح فى الطبيب ، ولا يؤلمه إذا سمع بذلك ؛ بل يقول له : صدقت ، الأمر كذلك ، فعلى هذا إذا ابتلى الإنسان بمرض فتألّم من المرض بمقتضى طبعه فهذا ليس عدم رضا بالقضاء ، بل عدم رضا بالمقضىّ. وإن قال : أى شىء عملته حتى أصابنى مثل هذا؟ أو ما ذنبى؟ أو ما كنت استأهل مثل هذا؟ فهذا عدم رضا بالقضاء ؛ فنحن مأمورون بالرضا بالقضاء ، ولا نتعرض لجهة ربنا إلا بالإجلال والتعظيم ، ولا نعترض عليه فى ملكه. وأما أنا أمرنا أن تطيب لنا البلايا والرزايا ومؤلمات الحوادث فليس كذلك ، ولم ترد الشريعة بتكليف أحد ما ليس فى طبعه ، ولم يؤمر الرّمد باستطابة الرمد المؤلم ، ولا غيره من المرض ؛ بل ذمّ الله قوما لا يتألّمون ولا يجدون للبأساء وقعا بقوله (١) : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) ، فمن لم يتمسكن ، ويذل للمؤلمات ، ويظهر الجزع منها ، ويسأل ربه إقالة العثرة ـ فهو جبار عنيد ، وشيطان مريد.
فإن قلت : يفهم من هذا أن من قدر الله عليه بمعصيته يجب عليه الرضا بها ؛ وليس كذلك.
فالجواب أن الرضا بالمقضىّ قد يكون واجبا كالإيمان بالله والواجبات إذا قدرها الله للإنسان ، وقد يكون مندوبا فى المندوبات ، وحراما فى المحرمات ، والرضا بالكفر كفر ، ومباحا فى المباحات. وأما بالقضاء فواجب على الإطلاق
__________________
(١) المؤمنون : ٧٦