بها لتسأله أن يختار لك ما لا تختاره لنفسك ، إذ هو عالم بما يصلح لك ، والكلام على هذه الآية طويل تكفّل بجمعه علماء أجلة كالغزالى وابن عطاء الله والقشيرى وغيرهم ، جزاهم الله عنّا ما هو أهله.
فإن قلت : قد فصل فى هذه الآية مصائب الأرض ، كالزلازل والقحوط. وفى أنفسكم بالمرض والموت والفقر ؛ وأجمل فى التغابن (١) ؛ فما الحكمة؟
فالجواب إنما فصل فيها موافقة لما قبلها ؛ لأنه فصّل فى سورة الحديد أحوال الدنيا والآخرة بقوله (٢) : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ...) الآية ؛ فناسب ذلك التفصيل التفصيل فى الآية. وأما سورة التغابن (٣) فناسب الإجمال الوارد فيها من ذلك المشترك ؛ وتحصّل نظم السورتين على أتمّ [١٧٦ ب] مناسبة.
فإن قلت : ما لنا نفرح بالخير ونجزع من الشر ، وقد قال تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ). وقد قال أبو بكر رضى الله عنه لما أوتى بمال كثير : اللهم لا نستطيع أن نفرح إلّا بما زيّنت لنا. وقد حثى أيوب من الجراد الذى سقط عليه ، فقال الله له : ألم يكن فيما أبليتك ـ أى أعطيتك ـ غنى عن هذا؟ فقال : بلى يا رب ، ولكن لا غنى لى عن بركاتك.
فالجواب أن النهى إنما هو عن الفرح الذى يعود إلى الكبر والطغيان ، وعن الحزن الذى يخرج عن الصبر والتسليم. وقد ذكر القرافى فرقا بين الرضا بالقضاء وبين الرضا بالمقضىّ. وضرب له مثلا بالطبيب إذا وصف للعليل دواء مرّا ، أو قطع يده المتآكلة. فإن قال بئس ترتيب الطبيب ومعالجته ، وكان غير هذا
__________________
(١) آية التغابن (١١) : ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله.
(٢) الحديد : ٢٠
(٣) آية التغابن (١١) : ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله.