وفوق الصبر التسليم ؛ وهو ترك الاعتراض والتسخّط ظاهرا وباطنا. وفوق التسليم الرضا بالقضاء وهو سرور النفس بفعل الله ، وهو صادر عن المحبة ؛ إذ كل ما يفعل المحبوب محبوب. وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة.
(ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ (١)) : التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله عزوجل.
(ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٢)) : هم المنافقون ، وكانوا جماعة من الأوس والخزرج ، ورأسهم عبد الله بن أبىّ ، يظهرون الإسلام ويسرّون الكفر ، ويسمى الآن من كان كذلك زنديقا ؛ وهم فى الآخرة مخلّدون فى النار. وأما فى الدنيا فإن لم تقم عليهم بيّنة فحكمهم كالمسلمين فى دمائهم وأموالهم ؛ وإن شهد على معتقدهم شاهدان عدلان فمذهب الشافعى الاستتابة وترك القتل. ومذهب الإمام القتل دون استتابة.
فإن قلت : كيف جاء قولهم آمنّا جملة فعلية ، و (ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) جملة اسمية؟ فهلّا طابقتها؟
فالجواب أن قوله : (ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) أبلغ وأوكد فى نفى الإيمان عنهم من أن لو قال : وما آمنوا.
فإن قيل : لم جاء قولهم (آمَنَّا) مقيّدا (بِاللهِ وَ) اليوم (الْآخِرِ ، وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) مطلقا؟
فالجواب أنه يحتمل الوجهين : التقييد ، وترك لدلالة الأول عليه. والإطلاق ، وهو أعم فى سلبهم عن الإيمان.
__________________
(١) البقرة : ٤
(٢) البقرة : ٨