هدى ورحمة معطوفين على لتبيّن ؛ ومحلّه عنده النصب ، فكيف يمنع
كونه مفعولا من أجله فى اللفظ ، ويجعله كذلك فى المعنى؟ وأجاب بعضهم بأنه إنما منع
نصبه فقط ، ولا يلزم أنه لا يصحّ فى المعنى إلا ما جاز النطق به. وابن خروف لم
يشترط فى المفعول من أجله أن يكون مفعولا لفاعل الفعل المعلل.
(مِمَّا فِي بُطُونِهِ
مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ )
: قال أبو حيان
: حال من ضمير نسقيكم ؛ أى خارجا من بين فرث ودم. وقيل متعلق بنسقيكم المقدر
؛ إذ لا يتعلق مجروران بفعل واحد. وجوّز هنا لاختلاف معناهما ؛ لأن من الأولى
للتبعيض ، والثانية لابتداء الغاية.
قال الزمخشرى : إذا استقر العلف فى كرش البهيمة طبخته ، فكان أسفله فرثا
، وأوسطه لبنا ، وأعلاه دما ؛ والكبد مسلطة على ذلك تقسمه ، فيجرى الدم فى العروق ، واللبن فى الضروع ،
ويبقى الفرث فى الكرش.
وردّه ابن
الخطيب بأنا ما رأينا قط فى كرش البهيمة المذبوحة لبنا ولا دما.
وأجاب بعضهم
عنه بأن حالة الحياة لها زيادة ، ألا ترى أن الميت إذا قطع منه لم يخرج منه دم
بوجه ، بخلاف الحىّ ؛ ولذلك كان الفلاسفة يشقّون جوف الإنسان وهو حىّ لينظروا ما
يتحرك فى بطنه. والصحيح أن الغذاء يطبخه الكرش ، فيخرج منه أولا الأجزاء الكثيفة ،
وهى الفرث ، ويبقى دما فيطبخه ثانية ، ويخرج منه إلى الضروع الأجزاء اللطيفة وهى
اللبن ، ويصير الباقى دما صرفا ، فيجعله فى العروق ؛ وإنما وقع الامتنان بلبن
الأنعام المنفصل عنها دون لبن المرأة
__________________