وقيل الكافر غير منعم عليه. وقيل منعم عليه فى الدنيا ؛ لقول عمر : أولئك قوم عجّلت لهم طيباتهم فى الدنيا ولا ينعم عليهم فى الآخرة ؛ فالنعم الدنيوية والأخروية عامة للمؤمنين ؛ لأن الضر نعمة من الله عليه لصبره ، كما أن النعمة نعمة عليه لشكره ، لكنه يتأدّب فلا يصرّح بنسبة الشرّ إلى ربّه ، وإن علم أن الكل من عنده ؛ ويعتقد أن نعمه فضل من الله ، ونقمه عدل منه ؛ ألا تراه كيف ذكر النعمة بأنها من الله ، ثم سكت عن الضر ؛ بل وصف الإنسان بالاستغاثة والتضرّع عنده.
وفى هاتين الآيتين (١) عتاب فى ضمنه نهى لمن يدعو الله عند الضرّاء برفع الصوت ويغفل عنه [١٥٦ ب] عند العافية.
(ما يَشْتَهُونَ (٢)) : يعنى أنهم جعلوا الذّكور من الأولاد لأنفسهم ؛ لأنهم يشتهونهم ؛ والبنات اللائى يكرهونهنّ لربهم حيث قالوا الملائكة بنات الله. أو كرهوا التوحيد وجعلوا له سبحانه شريكا ، وهم يكرهون المشارك لهم فى خططهم ومنازلهم وأموالهم ، أو احتقروا الرسل وهم يكرهون ذلك فيمن يرسلونه إلى أحد أن يحتقر ؛ وعلى كلّ وقع اللوم. وإذا كانوا هم لا يحتملون شيئا من ذلك ولا يحبونه لأنفسهم فكيف ينسبونه لربهم؟ وهم مع ذلك يدّعون أن الجنة لهم. والعجب منهم ينكرون البعث رأسا.
(ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ (٣)) : دخلت اللام على تبيّن لأنه ليس لفاعل الفعل المعلّل ؛ لأن الإنزال من الله والبيان من النبىّ صلىاللهعليهوسلم. وألزمه أبو حيان التناقض ؛ لأن الزمخشرى جعل
__________________
(١) يريد آية ٥٣ السابقة ، وآية ٥٤
(٢) النحل : ٥٧
(٣) النحل : ٦٤