(ما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (١)) : التقدير أو يأخذهم فى تقلّبهم ، فهم بسبب ذلك غير معجزين (٢) ؛ أى بمفلتين ؛ لأن أخذه لهم حالة التقلب والتحرك مظنّة لفرارهم وهروبهم ؛ فدخل حرف النفى ؛ فنفى ذلك السبب المترتب على تقلبهم ؛ أى فما يكون تقلبهم سببا فى تعجيزهم له ؛ لأن الفاء دخلت على معنى النفى ، لأنه لا يصحّ فيها السببية إلا على هذا التأويل.
(مِنْ دابَّةٍ (٣)) : يحتمل أن يكون بيانا لما فى السموات والأرض ، أو لما فى الأرض. ويراد بما فى السموات الخلق الذى يقال له الروح غير جبريل ، وهو أعظم المخلوقات المراد به فى قوله تعالى (٤) : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ). ((٥) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها).
وأمّا جبريل فيقال له الروح الأمين. وانظر هل الملائكة من الدوابّ أم لا؟ ونهم ذوى أجنحة يطيرون. والظاهر أنهم منهم للآية (٦) : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ) ؛ وعلى كلّ حال فالكل ساجدون من عاقل وغيره ، لكن سجود العاقل حقيقة وغير العاقل بمعنى التذلّل والانقياد ؛ فيكون لفظ السجود للقدر المشترك بينهما وهو الخضوع والانقياد ؛ أو يكون من باب استعمال اللفظ المشترك فى مفهوميه معا ، أو من استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه.
ولو قال (٧) من فى السموات لم يدخل فى ذلك غير العقلاء. (ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٨)) : نكّر النعمة ليدخل تنعيم الكافر ، لا للتقليل ؛ لأن عطاء الله لا يوصف بالقلّة.
__________________
(١) النحل : ٤٦
(٢) فى ا : بسبب ذلك معجزين.
(٣) النحل : ٤٩
(٤) النبأ : ٣٨
(٥) القدر : ٤
(٦) الأنعام : ٣٨
(٧) أى ، والآية : ما فى السموات ...
(٨) النحل : ٥٣