ففي ذلك اعتراف بأن الله أنزله ؛ وأساطير الأولين هو خبر ابتداء مضمر ، تقديره : هو أساطير الأولين ؛ فلم يعترفوا بأن الله أنزله ؛ فلا وجه للنصب. ولو كان منصوبا لكان الكلام متناقضا ؛ لأن قولهم أساطير الأولين يقتضى التكذيب بأن الله أنزله ، والنصب بفعل مضمر يقتضى التصديق بأن الله أنزله ؛ لأن تقديره أنزل.
فإن قلت : يلزم مثل هذا فى الرفع ؛ لأن تقديره هو أساطير الأولين ، فهو غير مطابق للسؤال الذى هو ما ذا أنزل ربكم؟
فالجواب أنهم عدلوا بالجواب عن السؤال ، فقالوا : هو أساطير الأولين ، ولم ينزله الله.
(ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١)) : معناه حيث وقع فى القرآن إحاطة العذاب بمن استهزأ به ، وعلى هذا فيجب التحفّظ من أسبابه.
(ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ (٢)) : يحتمل أنهم يقولونه فى الدنيا ؛ لأنهم قالوا : لو شاء الله ما عبدنا غيره ، فردّ الله عليهم بأنه نهى عن الشرك ، ولكنه قضاه على من شاء من عباده ؛ إذ لا يكون فى ملكه إلا ما يريد.أو يقولون ذلك فى الآخرة على وجه التمنى ؛ فإن لو تكون للتمنى ، فإنهم إذا عاينوا العذاب تمنّوا أن لو عبدوه ولم يحرّموا ما أحلّ الله من البحيرة والسائبة.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً (٣)) : يدلّ على تخصيص الرسالة بالرجال ، وأما النبوءة فليست خاصة بهم ؛ بل هى عامّة.
__________________
(١) النحل : ٣٤
(٢) النحل : ٣٥
(٣) النحل : ٤٣