وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصى ، والجد فى الطاعات ، وكانت ثمرتهما عند المقرّبين المشاهدة التى توجب التعظيم والإجلال لذى الجلال ، وإلى هاتين الثمرتين أشار صلىاللهعليهوسلم بقوله : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ؛ إشارة إلى الثمرة الثانية [١٢٢ ا] وهى المشاهدة الموجبة للتعظيم ، كمن يشاهد ملكا عظيما فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة.
وقوله : «فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ؛ إشارة إلى الثمرة الأولى. ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التى هى مقام المقربين فاعلم أنه يراك ؛ فإنه من أهل الحياء الذى هو مقام أصحاب اليمين ، فلما فسر الإحسان أول مرة بالمقام الأعلى رأى أن كثيرا من الناس قد يعجزون عنه ، فنزل عنه إلى المقام الآخر.
واعلم أنّ المراقبة لا تستقيم حتى تتقدّم قبلها المشارطة والمرابطة ، ويتأخر عنها المحاسبة والمعاقبة.
فأما المشارطة : ففي اشتراط العبد على نفسه التزام الطاعة ، وترك المعاصى. وأما المرابطة : فهى معاهدة العبد لربّه على ذلك ، ثم بعد المشارطة والمرابطة فى أوّل الأمر تكون المراقبة إلى الرب. وبعد ذلك يحاسب العبد نفسه على ما اشترطه وعاهد عليه ؛ فإن وجد نفسه قد وفّى بما عاهد عليه الله حمد الله ، وإن وجد نفسه قد حلّ عقد المشارطة ، ونقض عقد المرابطة ـ عاقب النفس عقابا بأن يزجرها عن العودة إلى مثل ذلك. ثم عاد إلى المشارطة والمرابطة وحافظ على المراقبة ، ثم اختبر بالمحاسبة ، فهكذا يكون العبد مع ربه.
(رَبائِبُكُمُ (١)) : بنات نسائكم من غيركم ، الواحدة ربيبة. وسمّيت بذلك لأنه يربّيها ؛ فلفظها فعيلة بمعنى مفعولة.
__________________
(١) النساء : ٢٣