ان مقتضى الأول هو التحريك لاستيفائها كذلك مقتضى الثاني هو زجره ومنعه عن إيجادها والمناسب مع اشتمال الطبيعة على المفسدة هو الزجر عنها لا طلب تركها والبعث إلى استمرار عدمها ، إذ هذا أشبه شيء بالأكل عن القفاء كما لا يخفى ويؤيد ما ذكرنا التفحص حول سائر اللغات فان مرادف قولنا لا تضرب في الفارسية كلمة (نزن) وليس مفاده عرفا وتبادرا الا ما ذكرنا على انه لو صرح بطلب العدم لا بد من تأويله كما عرفت من امتناع تعلق الإرادة به
ثم انه لا خلاف بين العقلاء في النواهي ، ومنها النواهي الشرعية في ان النهي يتميز عن الأمر بان مقتضى النهي لدى العرف هو ترك جميع الافراد عرضية كانت أو طولية بخلاف الأمر فان الغرض منه يحصل بإيجاد فرد واحد منه ويسقط الأمر به دون جميع الافراد لكن الكلام في ان ذلك من ناحية اللغة أو حكم العقل أو العرف ، فذهب المحقق الخراسانيّ إلى ان مقتضى العقل ان الطبيعي يوجد بفرد ما وينعدم بعدم جميع الافراد وأنت خبير بفساد هذه القاعدة لأن المراد منها ان كان هو الطبيعة المهملة أي بلا شرط فهي كما توجد بفرد ما تنعدم بانعدام فرد ما وان أريد الطبيعة السارية في مصاديقها (على اصطلاح القوم) فهي لا توجد الا بوجود جميع مصاديقها (هذا) وقد عرفناك ان الطبيعي متكثر وجودا وعدما فكما ان له وجودات كذلك له إعدام بعدد الافراد ، إذ كل فرد حائز تمام الطبيعي بلا نقصان ، فعدمه يكون عدما للطبيعي حقيقة وما قرر في المنطق من ان نقيض السالبة الكلية هو الموجبة الجزئية ، ليس مبنيا على أساس عقلي وبرهان علمي بل على الارتكاز العرفي المسامحي لأن الطبيعة لدى العرف العام توجد بفرد ما وتنعدم بعدم جميع الافراد
(فان قلت) فعلى هذا قد انحلت العويصة لأن القاعدة المزبورة وان لم يساعدها البرهان إلّا ان الارتكاز العرفي يساعدها في محاوراتهم والنواهي الشرعية تحمل على المحاورات العرفية (فحينئذ) إذا تعلق نهى بطبيعة يكون حكمه العقلائي ان امتثاله بترك الافراد جميعا
(قلت) نعم لكنه يتولد منه عويصة أخرى وهو ان لازم ذلك ان يكون للنهي امتثال واحد ومعصية واحدة لعدم انحلاله إلى النواهي مع ان العرف لا يساعده كما ترى ، ولذا لو خولف يرى العرف ان النهي بحاله «هذا» حكم العقل والعرف ، و (اما) اللغة فلا دلالة للنهي