والعصيان ورفعه في رتبة واحدة لكونهما نقيضين وما مع المعلول ، مؤخر عن العلة
(قلت) كلا الوجهين لا يخلو من خلط وما قدمناه في إبطال كون أحد الضدين مقدمة على الآخر ، كاف في إبطالهما ونشير إليه هنا إجمالا ، وهو ان التقدم والتأخر الرتبيين ليسا من الاعتبارات المحضة من دون واقعية لهما في نفس الأمر كيف وحكم العقل بأنه وجد هذا فوجد ذاك بنحو تخلل الفاء ليس إلّا لاستشعاره امرا واقعيا وشيئا ثبوتيا ، (فحينئذ) فإثبات امر واقعي للشيء كالتأخر الرتبي فرع كون الشيء الموصوف ذا تقرر في ظرفه وذا حظ من الوجود ، وظرف النسبة والاتصاف بعينه ظرف الطرفين فلو كانت واقعيا فلا محالة يتصف الطرفان بالواقعية ، مع ان الواقعية مفقودة في النقيض ومصداقه لأنهما إعدام ليس حقيقتهما سوى انهما لا واقعية لهما وقد تقدم ان كون الملكات والاستعدادات من مراتب الوجود ، لا يلازم كون إعدامهما كذلك ، مع ان للوجه الثاني مبنى على اقتضاء الأمر للنهي عن تركه وهو باطل مبنى على باطل آخر
والحاصل ان كون النقيضين في رتبة واحدة ممنوع تقدم الكلام فيه وكون ما مع المتأخر رتبة ، متأخرا رتبة ممنوع أيضا لأن قياس المساواة لو صح فانما هو في المسائل الهندسية ، لا في الأحكام العقلية التي تدور مدار وجود المناط وقد عرفت ان مناط التأخر الرتبي هو ما قدمناه ومع فقدانه لا وجه للتأخر وقياس التأخر الرتبي الّذي يدركه العقل لأجل بعض المناطات بالتأخر الزماني قياس مع الفارق نعم العصيان يتأخر عن الأمر زمانا على مسامحة وهو غير التأخر الرتبي ، (وبالجملة) ان العصيان عبارة عن ترك المأمور به بلا عذر وهو معنى عدمي لا يمكن ان يتصف بحيثية وجودية مطلقا وقد تكرر منا ان القضايا الصادقة التي موضوعاتها أمور عدمية لا بد وان تكون من السالبة المحصلة أو ترجع إليها ، والموجبات مطلقا لا تصدق في الاعدام الا بتأول كما في بعض القضايا غير المعتبرة كقولنا العدم عدم ، فالعصيان بما انه امر عدمي لا يمكن ان يتأخر عن شيء أو يتقدم على شيء ولا يكون موضوعا لحكم ولا شرطا لشيء أو مانعا وبذلك يظهر ان أخذ امر عدمي لا يؤثر ولا يتأثر ولا يوجب مصلحة ولا مفسدة في الموضوع ، لا يجتمع مع ما عليه العدلية من كون الأحكام تابعا لمصالح أو مفاسد يقتضيها موضوعاتها والعدم لا اقتضاء فيه إلّا ان يرجع إلى مانعية الوجود وهو غير مجد أصلا في المقام.