وان كان ما أو عزنا إليه كافيا في رفع الحجاب ، هو ان العدم ليس امرا حقيقيا واقعيا ، بل هو مفهوم اعتباري يصنعه الذهن إذا تصور شيئا ولم يجده شيئا إذا رجع إلى الخارج وتفحص عن مظانه ، وحقيقته خلو صحيفة الوجود عن الشيء المتصور بالسلب التحصيلي ، وخلو نفس الأمر عن وجوده ، فيكون مقابل الوجود ومقابل نفس الأمر بمراتبه الطولية وما شأنه هذا يكون بطلانا محضا ، ولا يعقل ان يصير دخيلا في تحقق شيء أو متأثرا من شيء إذ ما لا شيئية له يسلب عنه جميع الأمور الثبوتية ومنها المتوقف بكلا قسميه ، بالسلب التحصيلي ، و (بالجملة) كون شيء شرطا لشيء أو متأثرا عنه أو دخيلا في وجوده ، قضايا إيجابية يتوقف صدقها على وجود موضوعها ومحمولها وقد فرضنا العدم لا شيئا محضا وبطلانا خالصا ، وقولك ان عدم الضد موقوف عليه أو عدمه موقوف على وجود الضد ، من الموجبات وثبوت حكمها للعدم ، فرع ثبوت المثبت له وهو هنا ممتنع (فظهر) ان العدم مسلوب عنه أحكام الوجود والثبوت ، إذ لا شيئية له فلا تقدم له ولا تأخر ولا مقارنة بل كل الحيثيات مسلوبة عنه سلبا تحصيليا لا بمعنى سلب شيء عن شيء بل السلب عنه من قبل الاخبار عن المعدوم المطلق بأنه لا يخبر عنه ، الحاصل بالتوسل بالعناوين المتحصلة في الذهن ، وقد تقدم ان ما ربما يقال ان عدم العلة علة لعدم معلوله مسامحة في التعبير كما ان ما يتكرر بين كلمات المشاهير من أهل الفن من عد عدم المانع من اجزاء العلة ، مرجعه إلى ان وجوده مانع عن تحقق المعلول لا ان عدمه دخيل ، فعبروا عن مزاحمة المقتضيات والتمانع بين الوجودات بكون عدم المانع من اجزاء العلة إذ العدم مطلقه ومضافه أقصر شأنا من ان يحوم حوله التوقف لأنه البطلان واللاشيئية.
وأوضح فسادا منه ما يقال ان للأعدام واقعية وظروفا بحسب أحوالها كما ان للماهيات أوعية متسانخة مع مظروفاتها ، إذ كل ظرف لا بد وان يرجع إلى صحيفة الوجود وإلّا فالظرف والمظروف عاطلان باطلان.
والعجب عن المحقق المحشي مع نبوغه وكثرة مساعيه في هاتيك المباحث حيث أفاد هنا ما لا ينبغي ان يصدر عن مثله حيث قال ان عدم الضد من مصححات قابلية المحل لقبول الضد ، لعدم قابلية الأبيض للسواد ولا الأسود للبياض ، وان القابليات والاستعدادات والإضافات وإعدام الملكات وان كان لا مطابق لها في الخارج لكنها من الأمور الانتزاعية