سليمان الريح وجنوده من الجن والإنس حتى نزل تلك الجزيرة ، فقتل ملكها وسبى من فيها وأصاب جارية لم ير مثلها حسنا وجمالا ، وكانت ابنة ذلك الملك ، فاصطفاها لنفسه ، وكان يجد بها ما لا يجد بأحد ، وكان يؤثرها على جميع نسائه ، فدخل عليها يوما فقالت : إني أذكر أبي وملكه وما أصابه فيحزنني ذلك ، فإن رأيت أن تأمر بعض الشياطين [فيصوّرون](١) لي صورة أبي في داري ، فأراه بكرة وعشيا ، رجوت أن يذهب عني حزني ، ويسلي عني بعض ما أجد في نفسي ، فأمر سليمان صخر المارد فمثّل لها أباها في هيئته في ناحية دارها لا تنكر منه شيئا ، إلا أنه لا روح فيه ، فعمدت إليه فزيّنته وألبسته حتى تركته في هيئة أبيها ولباسه ، فإذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه كل غدوة مع جواريها فتطيّبه وتسجد له ، ويسجد جواريها ، وتروح بمثله ، وسليمان لا يعلم بذلك ، حتى أتى لذلك أربعون يوما ، وبلغ الناس ، وبلغ آصف بن برخيا ، وكان صدّيقا ، فدخل عليه فقال : يا نبي الله ، قد أحببت أن أقوم مقاما أذكر فيه من مضى من أنبياء الله تعالى وأثني عليهم بعلمي فيهم ، فجمع سليمان الناس ، فقام فيهم ، فذكر من مضى من أنبياء الله تعالى ، وأثنى على كل نبي بما فيه ، وذكر ما فضلهم الله تعالى به حتى انتهى إلى سليمان ، فذكر فضله وما أعطاه الله تعالى في حداثة سنّه وصغره ، ثم سكت ، فامتلأ سليمان عليهالسلام غيظا ، فلما دخل أرسل إليه ، فدخل ، فقال : يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله عليهم الصلاة والسّلام فأثنيت عليهم بما كانوا في زمانهم كله ، فلما ذكرتني جعلت تثني عليّ بخير في صغري ، وسكتّ عما سوى ذلك من أمري في كبري ، فما الذي
__________________
(١) في الأصل : فيصورن.