وقال جماعة من أهل العلم : وقع الخطأ من إبليس حيث قاس مع وجود النص (١).
(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها) أي : من السماء إلى الدار التي هي مقر العاصين والمتكبرين ، (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) أي : ما يصلح لك أن تتكبر في السماء التي هي مقر ملائكتي الخاضعين لجلالي ، الخاشعين من هيبتي ، (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الأذلّاء ، جوزي اللعين بالصّغار والخلود في النار ، حيث عصى ربه بالاستكبار.
قال سفيان بن عيينة : من كانت معصيته في شهوة فارج له التوبة ، فإن آدم عصى مشتهيا فغفر له. وإذا كانت معصيته في كبر فاخش على صاحبه اللعنة ، فإن إبليس عصى مستكبرا فلعن (٢).
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما
__________________
ـ أحدها : أن جوهر الطين الرزانة والسكون ، والوقار والأناة ، والحلم ، والحياء ، والصبر. وذلك هو الداعي لآدم عليهالسلام بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع ، فأورثه المغفرة والاجتباء والهداية. ومن جوهر النار الخفة ، والطيش ، والحدة ، والارتفاع ، والاضطراب. وذلك هو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار ، فأورثه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاء. الثاني : إن الخبر ناطق بأن تراب الجنة مسك أذفر ، ولم ينطق الخبر بأن في الجنة نارا وأن في النار ترابا. الثالث : أن النار سبب العذاب ، وهي عذاب الله لأعدائه ، وليس التراب سببا للعذاب. الرابع : أن الطين مستغن عن النار ، والنار محتاجة إلى المكان ومكانها التراب.
قلت : ومحتمل قولا خامسا وهو أن التراب مسجد وطهور ، كما جاء في صحيح الحديث. والنار تخويف وعذاب ، كما قال تعالى : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ). اه.
(١) انظر : الوسيط (٢ / ٣٥٣) ، وزاد المسير (٣ / ١٧٤).
(٢) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٦ / ٢٩٥ ح ٨٢١٧). وأبي نعيم في الحلية (٧ / ٢٧٢).