ذكر حديث كعب بن مالك وصاحبيه وما كان من توبتهم :
وقع لي من طرق كثيرة أعلاها سندا وأحسنها سياقة ومتنا ، ما حدثنا به شيخنا الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه في ذي القعدة سنة خمس وستمائة بجامع دمشق ، قال : أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو الفضل جعفر بن يحيى المكي ، أخبرنا محمد بن الحسين بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا محمد بن أحمد النقوي ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدّبري ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني ابن كعب بن مالك عن أبيه قال : «لم أتخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدرا ، ولم يعاتب النبي صلىاللهعليهوسلم أحدا تخلّف عن بدر ، إنما خرج يريد العير ، فخرجت قريش مغوثين لعيرهم ، فالتقوا على غير موعد ، كما قال الله تعالى (١) ، لعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس لبدر ، وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام ، ثم لم أتخلف بعد عن النبي صلىاللهعليهوسلم في غزاة غزاها ، حتى إذا كان غزوة تبوك ، وهي آخر غزوة غزاها ، وآذن النبي صلىاللهعليهوسلم الناس بالرحيل ، وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم ، وذلك حين طابت الظلال وطابت الثمار ، وكان قلما أراد غزوة إلا ورّى بغيرها ، وكان يقول : «الحرب خدعة» ـ يعني : إلا غزوة تبوك فإنه جلا للناس أمرهم ـ ، فأراد النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبتهم ، وأنا أيسر ما كنت ، قد جمعت راحلتين ، وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد وخفة [الحاذ](٢) وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال وطيب الثمار.
__________________
(١) في سورة الأنفال : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) [الأنفال : ٤٢].
(٢) في الأصل : الجاذ. والتصويب من التوابين (ص : ٩٥). والحاذ : خفيف الظهر.