فلم أزل كذلك حتى قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم غاديا بالغداة ، وذلك يوم الخميس ، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ، فأصبح غاديا ، فقلت : أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي ثم ألحق بهم ، فانطلقت إلى السوق من الغد فعسر عليّ بعض شأني ، فرجعت فقلت : أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم ، فعسر عليّ بعض شأني ، فقلت : أرجع غدا إن شاء الله ، فلم أزل كذلك حتى التبس بي الذنب وتخلفت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجعلت أمشي في الأسواق وأطوف بالمدينة ، فيحزنني أنني لا أرى أحدا تخلّف إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق ، وكان ليس أحد تخلف إلا يرى أن ذلك سيخفى له ، وكان الناس كثيرا لا يجمعهم ديوان ، وكان جميع من تخلف عن النبي صلىاللهعليهوسلم بضعة وثمانين رجلا ، ولم يذكرني النبي صلىاللهعليهوسلم حتى بلغ تبوكا ، فلما بلغ تبوكا قال : ما فعل كعب بن مالك؟ قال رجل من قومي : خلفه يا رسول الله برداه والنظر في عطفيه ، فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله يا نبي الله ما نعلم إلا خيرا.
قال : فبينا هم كذلك إذا هم برجل يزول به السراب ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : كن أبا خيثمة ، فإذا هو أبو خيثمة. فلما قضى النبي صلىاللهعليهوسلم غزوة تبوك وقفل ودنا من المدينة ، جعلت أتذكر بماذا أخرج من سخط النبي صلىاللهعليهوسلم وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، حتى إذا قيل النبي صلىاللهعليهوسلم هو مصبحكم غدا [بالغداة](١) زاح عني الباطل ، وعرفت أني لا أنجو إلا بالصدق ، فدخل النبي صلىاللهعليهوسلم ضحى فصلّى في المسجد ، وكان إذا جاء من سفر فعل ذلك ، دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس ، فجعل يأتيه من تخلف فيحلفون له ويعتذرون إليه فيستغفر لهم ، ويقبل علانيتهم ، ويكل
__________________
(١) في الأصل : بالغداء. والتصويب من التوابين (ص : ٩٦).