سرائرهم إلى الله تعالى ، فدخلت المسجد فإذا هو جالس ، فلما رآني تبسم تبسم المغضب ، فجئت فجلست بين يديه فقال : ألم تكن ابتعت ظهرك؟ فقلت : بلى يا نبي الله. قال : فما خلفك؟ فقلت : والله لو بين يدي أحد من الناس غيرك جلست لخرجت من سخطته عليّ بعذر ، لقد أوتيت جدلا ، ولكن قد علمت يا نبي الله أني إن أخبرك اليوم بقول تجد عليّ فيه وهو حق ، فإني أرجو فيه عقبى الله ، وإن حدثتك اليوم [حديثا](١) ترضى عني فيه وهو كذب ، أوشك أن يطلعك الله عليّ ، والله يا نبي الله ما كنت قط أيسر ولا أخفّ حاذا مني حين تخلفت عنك. قال : أما هذا فقد صدقكم الحديث ، فقم حتى يقضي الله فيك ، فقمت فثار على أثري أناس من قومي يؤنبونني ، فقالوا : والله ما نعلمك أذنبت ذنبا قط قبل هذا ، فهلا اعتذرت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بعذر يرضى عنك به؟ وكان استغفار رسول الله صلىاللهعليهوسلم سيأتي من وراء ذنبك ، ولم تقف نفسك موقفا لا تدري ما ذا يقضى لك فيه ، فلم يزالوا يؤنبوني حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي ، فقلت : هل قال هذا القول أحد غيري؟ قالوا : نعم ، قاله هلال بن أمية ومرارة بن الربيع ، فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة ، فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبدا ولا أكذب نفسي ، قال : ونهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس عن كلامنا أيّها الثلاثة ، قال : فجعلت أخرج إلى السوق فلا يكلمني أحد ، وتنكر [لنا الناس](٢) حتى ما هم بالذين نعرف ، وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف ، وتنكرت لنا الأرض حتى ما هي بالأرض التي نعرف ، وكنت أقوى أصحابي ، فكنت أخرج وأطوف في السوق وآتي إلى المسجد
__________________
(١) زيادة من التوابين (ص : ٩٧).
(٢) في الأصل : وتنكر لناس. والمثبت من التوابين (ص : ٩٨).