فإن قيل : كيف دخلت النون المؤكدة في جواب الأمر؟
قلت : لتضمن الجواب معنى النهي.
قال الفراء (١) : هو جزاء فيه طرف من النهي ، كما تقول : انزل عن الدابة لا تطرحك ولا تطرحنك.
وقال جماعة من نحاة الكوفة : أمرهم ثم نهاهم ، وفيه طرف من الجزاء وإن كان نهيا ، مثل قوله : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) [النمل : ١٨](٢).
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٢٦)
ثم إن الله تعالى ذكّرهم نعمه عليهم ليبعثهم على شكره باجتناب نهيه وامتثال أمره فقال : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ)" إذ أنتم" مفعول به لا ظرف (٣) ، تقديره : واذكروا وقت كونكم أقلّة. والمعنى : قليل عددكم ، (مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) يعني : أرض مكة ، (تَخافُونَ) لقلّتكم وضعفكم (أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) كفار قريش وغيرهم ، (فَآواكُمْ) إلى المدينة ، (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) في يوم بدر وغيره ، حتى خضعت لكم رقاب الفراعنة والجبابرة ، وعنت لكم وجوه الأكاسرة والأقاصرة ، (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أحلّ لكم الغنائم وبسط لكم في الملاذّ.
__________________
(١) معاني الفراء (١ / ٤٠٧).
(٢) انظر : الطبري (٩ / ٢١٩) ، وزاد المسير (٣ / ٣٤١).
(٣) انظر : الدر المصون (٣ / ٤١٣).