الفضل جالسة عندي ، أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس وظهره إلى ظهري ، فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم ، فقال أبو لهب : هلم يا ابن أخي ، فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال : يا ابن أخي ، أخبرني كيف كان أمر الناس؟ فقال : والله ما هو إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا ، وايم الله! مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض لا يقوم لها شيء. قال أبو رافع : تلك الملائكة ، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة ، فثاورته (١) فاحتملني فضرب بي الأرض ، ثم برك عليّ يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا ، فضربته أم الفضل بعمود ضربة فلقت رأسه شجة منكرة ، وقالت : تستضعفه أن غاب عنه سيده ، فقام مولّيا ذليلا ، فالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة (٢) فقتلته. ولقد تركه أبناؤه ليلتين أو ثلاثا ما يدفنانه حتى أنتن ، وكانت قريش تتقي العدسة كما يتقي الناس الطاعون ، حتى قال لهما رجل من قريش : ويحكما ألا تستحيان ، إن أباكما قد أنتن في بيته ولا تغيّبانه ، فقالا : نخشى هذه القرحة. قال : فانطلقا فأنا معكما ، فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه ، ثم حملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار قذفوا عليه الحجارة حتى واروه» (٣).
__________________
(١) ثار إليه ثورا وثورانا : وثب. والمثاورة : المواثبة (اللسان ، مادة : ثور).
(٢) العدسة : بثرة تشبه العدسة تخرج في مواضع من الجسد ، من جنس الطاعون ، تقتل صاحبها غالبا (اللسان ، مادة : عدس).
(٣) أخرجه الحاكم (٣ / ٣٦٣ ح ٥٤٠٣) ، والطبراني في الكبير (١ / ٣٠٨ ح ٩١٢).