أضافه إليهم باسم الصحبة فقال : " ما بصاحبهم"؟
قلت : ليبقي عليهم قبيح ما أقدموا عليه من نسبتهم الجنون إلى من صاحبوه دهرا طويلا ولازموه عمرا مديدا ، وعلموا ما طبع عليه من الأخلاق الكريمة والأوصاف الجميلة ، والفطرة السليمة ؛ [وخلوّه](١) من النقائص الظاهرة والباطنة ، فأفاد قوله : " ما بصاحبهم" ذمّهم على كذبهم وظلمهم بنسبتهم الجنون إلى من صحبوه وعرفوا راجح عقله ، وتذكيرهم باسم الصحبة ما يجب للصاحب على صاحبه من المعاضدة والمناصرة ، وترقيقهم عليه ، وتهييج طباعهم على الإحسان إليه ، وهذا من الرموز التي لا يهتدي لها إلا غوير غوّاص على معاني كتاب الله تعالى ، بحّاث عن غوامضه وأسراره.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) حثّهم الله تعالى على النظر في ملكوت السموات وما فيها من الآيات الباهرة والأنجم الزاهرة ، وملكوت الأرض وما فيها من عجائب المخلوقات ، (وَما خَلَقَ اللهُ) أي : وفيما خلق الله (مِنْ شَيْءٍ) قال ابن عباس : من جليل وصغير (٢).
والمعنى : أو لم ينظروا فيستدلوا بهذه المصنوعات العجيبة على عظمة صانعها ومخترعها ، وحكمة مبتدعها ومفترعها.
(وَأَنْ عَسى) خفيفة من [الثقيلة](٣) ، بإضمار الشأن ، والتقدير : أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ، وفي أن الحديث والشأن (عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ
__________________
(١) زيادة على الأصل.
(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٤٣٢).
(٣) في الأصل : الثقلية.