(إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) فقهروني (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) لهواني عليهم ، والمعنى : لم يكن ذلك لسوء خلافتي فيهم وتفريطي فيما يجب عليّ حفظه من قوانين الدين والسياسة ، (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) عبدة العجل فتفعل بي ما يتمنونه لي من الاستخفاف بي والانتهاك لحرمتي ، (وَلا تَجْعَلْنِي) في موجدتك (١) عليّ ونسبتك المعصية إليّ (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وأنا منهم بري وعنهم عري.
فلما استبان لموسى عليهالسلام عذر أخيه وباينه غضبه (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) أي : اغفر لي ما صنعته بأخي مع براءته مما اتهمته به ، ولأخي إن كان وجد منه تفريط خفي عليه أو عليّ (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) أي : في جنتك (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ) وهو ما أمروا به من قتل أنفسهم ، (وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قال ابن عباس : هي الجزية (٢).
وقال الزجاج (٣) : هي قتلهم أنفسهم.
والذي يظهر لي أن المراد بالذلة : ما لابسهم من العار والشنار بسبب عبادة العجل ، فإنه حين سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ، ذلوا واستحيوا لقبيح ما ارتكبوه.
وجائز أن يراد بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) اليهود الموجودون في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيكون تعييرا لهم بصنيع أسلافهم ، فيكون قوله : (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ
__________________
(١) الموجدة : الغضب (اللسان ، مائدة : وجد).
(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٤١٣) بلا نسبة ، وزاد المسير (٣ / ٢٦٥).
(٣) معاني الزجاج (٢ / ٣٧٩).