قلت : عنه أجوبة :
أحدها : أن العود هاهنا بمعنى الصيرورة ، تقول : عاد عليّ من فلان مكروه ، وإن لم يكن له بذلك سابقة ، وأنشدوا قول أمية بن أبي الصلت :
هذي الكرام لا قعبان من لبن |
|
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا (١) |
وقول الآخر :
فإن تكن الأيام أحسنّ مرّة |
|
إليّ فقد عادت إليّ ذنوب (٢) |
الثاني : أن العود على ظاهره ، والمشار إليهم بالعود : الذين آمنوا معه ، لكنه أجري معهم في الخطاب ونظم نفسه في جملتهم في الجواب ؛ إجراء للكلام على التغليب.
الثالث : أنه عليه الصلاة والسّلام (٣) كان قبل أن يختصه الله بالنبوة ويشرفه بالرسالة ، داخل في غمار قومه ، مخالطا لهم ، وإن كان مباينا لهم في الشرك والكبائر وما يوجب التنفير من الرذائل والصغائر مما لا يجوز على من أهّله الله لمنصب النبوة والرسالة ، فخاطبوه وأجابهم على نحو ما كانوا يعتقدون ، كما كانت كفار قريش تقول للنبي صلىاللهعليهوسلم ، إذا عاتبته : تركت دين آبائك ورغبت عن ملتهم ، وأمثال ذلك من
__________________
(١) البيت لأمية بن أبي الصلت. انظر : ديوانه (ص : ٥٢) ، وتاج العروس (مادة : قعب) ، والعين (١ / ١٨٢) ، وتهذيب الأسماء (٢ / ٣٦٩) ، وابن الشجري (١ / ١٧٠) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٨ / ١٠٤) ، والقرطبي (٧ / ٤٠٣) ، والدر المصون (٣ / ٣١٢) ، وزاد المسير (١ / ٢٢٦) ، والإصابة (٥ / ٤١٧) ، وتاريخ الطبري (١ / ٤٤٩) ، وسيرة ابن هشام (١ / ١٨٧) ، والأغاني (٥ / ١٩ ، ٢٠ ، ١٧ / ٣٠٢ ، ٣١٣).
(٢) البيت لكعب الغنوي ، يرثي أخاه.
(٣) في الأصل زيادة : أنه.