تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١٥٣] فكيف قال : (بِكُلِّ صِراطٍ)؟
قلت : السبيل المشار إليه واحد ، لكنه يتشعّب إلى أنواع كثيرة من الفرائض والحدود والأحكام ، فكانوا إذا رأوا أحدا يتمسك بشيء منها أو يسلك بعض شعبها توعدوه.
قوله تعالى : (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ) قال صاحب الكشاف (١) : الضمير في «آمن به» يعود إلى «كل صراط» ، تقديره : توعدون من آمن به وتصدون عنه ، فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير ؛ زيادة في تقبيح أمرهم ، ودلالة [على](٢) عظم ما يصدون عنه.
ويجوز عندي ـ والله تعالى أعلم ـ : أن يعود الضمير إلى الله تعالى ؛ لأنه أقرب المذكورين.
(وَتَبْغُونَها عِوَجاً) سبق تفسيره وتقريره في آل عمران (٣).
قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) أي : اذكروا على وجه الشكر لله إذ كنتم قليلا عددكم ، أذلاء فقراء ، فكثّر عددكم وعددكم ، وأعزكم وأغناكم.
قال ابن السائب : كان مدين بن إبراهيم وزوجته بنت لوط ، فولدت له حتى كثر عدد أولادها (٤).
(وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) قبلكم ؛ كقوم نوح ، وهود ، وصالح ،
__________________
(١) الكشاف (٢ / ١٢١).
(٢) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.
(٣) عند الآية رقم : ٩٩.
(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٣٨٧).