الأحدوثة وما يترتب عليه من الرغبة في معاملة المتصف بالإنصاف والأمانة لا يتوقف على الإيمان.
ويحتمل أن يقال في دفع هذا الإشكال : المعنى : ذلكم خير لكم إن كنتم مصدقين لي في قولي : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) ، ويكون ذلك خارج مخرج التهييج والإلهاب ، والحض على إيفاء الكيل والميزان بما أرشدهم إليه من تحصيل مآربهم ، ولا يكون ذلك على وجه الشك منه في علمهم وتصديقهم بذلك.
ومثاله : قول الرجل لابنه إذا رام منه امتثال ما يأمره به وينهاه عنه ، وأراد ترغيبه في ذلك وتهييجه عليه : إن كنت ابني وتعلم أن الله فرض طاعتي عليك فأطعني ، وهو لا يشك أنه ابنه ، ولا يرتاب أن الله فرض عليه طاعته.
قوله تعالى : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) قال قتادة وجمهور المفسرين : كانوا يقعدون على الطريق يحذرون الناس ويخوفونهم العذاب ويهدّدونهم إن اتبعوا شعيبا (١).
وقال السدي : كانوا عشّارين (٢).
فعلى هذا ؛ يكون ذلك نهيا لهم عن أخذهم بمجامع الطرق المكس.
وقيل : هذا نهي لهم عن قعودهم على سبيل الحق يصدون الناس عنه.
فإن قيل : سبيل الحق واحد. قال الله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ٢٣٨) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٥٢١). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٠٢) وعزاه لا بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٨ / ٢٣٨). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٠٢) وعزاه لا بن جرير وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.