و (رأى) هاهنا بمعنى : علم ؛ لأنه لا يقال : زيد رآه ، من رؤية العين ، وإنما يقال : زيد رأى نفسه ، ولكن من رؤية القلب يجوز ، نحو : زيد رآه عالما ، ورآه استغنى ، وكذا الأفعال المؤثرة ، ولا يجوز أن يعمل في ضمائر ما يكون خبرا عنه ، فأما قولهم : عدمتني وفقدتني ، فلأنه جرى على المجاز ، ألا ترى أنه لا يصح أن يعدم نفسه ولا يفقدها ، وإنما يعدمه غيره (١).
قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٥ ـ ١٨].
السّفع : أصله من سفعته النار إذا غيرته عن حاله (٢).
والنّاصية : شعر مقدّم الرّأس ، وهو من ناصى يناصي مناصاة إذا وصل (٣).
والنّادي : المجلس ، يقال : نادي وندي ، والجمع : أندية (٤) ، قال سلامة بن جندل :
يومان يوم مقامات وأندية |
|
ويوم سير إلى الأعداء تاوب |
[١١٩ / و] والزّبانية : الأعوان ، واحدها : زبنية ، هذا قول أبي عبيدة (٥) ، وقال الكسائي (٦) : زبنيّ ، وقيل : هو جمع لا واحد له ، واشتقاق الزبانية من الزّبن : وهو الدّفع ، ومنه يقال : حرب زبون (٧) ، قال الشاعر :
فوارس لا يملّون المنايا |
|
إذا دارت رحا الحرب الزّبون (٨) |
والزّبانية هاهنا : الملائكة ، هذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك (٩).
و (النّون) في (لَنَسْفَعاً) : نون التّوكيد الخفيفة ، والاختيار عند البصريين (١٠) أن تكتب بالألف ؛ لأن الوقف عليها بالألف ، واختار الكوفيون : أن تكتب بالنّون ؛ لأنها نون في الحقيقة.
__________________
(١) معاني القرآن للفراء : ٣ / ٣٧٨ ، ومشكل إعراب القرآن : ٢ / ٨٢٧.
(٢) ينظر المفردات في غريب القرآن : ٢٣٤.
(٣) ينظر العين : ٧ / ١٥٩ (نصو) ، والنكت والعيون : ٦ / ٣٠٨ ، ومعالم التنزيل : ٨ / ٤٨٠.
(٤) معاني القرآن للأخفش : ٢ / ٥٤١ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٧٤٠ ، واللسان : ١٥ / ٣١٧ (ندي)
(٥) في مجازه : ٢ / ٣٠٤ ، ووافقه الزجاج في معانيه : ٥ / ٢٦٣. وينظر الصحاح : ٥ / ٢١٣٠ (زبن).
(٦) رواه عنه الفراء في معانيه : ٣ / ٢٨٠.
(٧) معاني القرآن للأخفش : ٢ / ٥٤١.
(٨) البيت لأبي الغول الطهوي كما في معجم البلدان : ٥ / ٣٨٠.
(٩) بحر العلوم : ٣ / ٤٩٥ ، النكت والعيون : ٦ / ٣٠٨.
(١٠) نبه لهذا النحاس في إعرابه : ٣ / ٧٣٩ ، ومكي في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٨٢٨.