العسر الأوّل هو العسر الثّاني ، واليسر الأوّل غير اليسر الثّاني (١) ، وقد جاء في الحديث : (لن يغلب عسر يسرين) (٢) ، ووجه ذلك : أن العسر معرف ، فهو واحد ؛ لأنّه ذلك المعرّف بعينه ، واليسر منكر ، ولو كان اليسر الثاني هو الأول لتكرر وفيه الألف واللام ليعرف ذكره ، كما تقول : رأيت رجلا ، وأكرمت الرجل (٣) ، قال الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل : ١٥ ـ ١٦] عرّف الثاني لمّا كان هو الأول ، وقال : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) [النور : ٣٥] ، ومثل تكرير (الْعُسْرِ) وفيه الألف واللام والثاني هو الأول قول الشاعر (٤) :
[لا أرى] الموت يسبق الموت شيء |
|
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا |
فالموت في ذلك كلّه شيء واحد.
ومن سورة والتّين
قوله تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ) [التين : ١ ـ ٢].
(التِّينِ وَالزَّيْتُونِ) : نوعان من الشّجر نبّه الله [عليهما](٥) ونوّه بهما ، فأقسم بهما ، وقيل : التّين والزّيتون : جبلان ، فالتين بدمشق والزيتون ببيت المقدس (٦) ، [١١٨ / ظ] وقال عبد الرحمن بن زيد : التين مسجد دمشق ، والزيتون بيت المقدس ، وقال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة : التّين هو الذي يؤكل ، والزّيتون هو الذي يعصر (٧).
(وَطُورِ سِينِينَ) : جبل بين الحجاز والشّام ، وهو الذي كلّم الله موسى بن عمران عليه ، وهذا قول الحسن ، يقال : طور سينين وطور سيناء بمعنى واحد (٨) ، وقيل : سينين
__________________
(١) معاني القرآن وإعرابه : ٥ / ٢٦٠.
(٢) في جامع البيان : ٣٠ / ١٥١ ، وفتح الباري : ٨ / ٥٤٧ ، وأحكام القرآن للجصاص : ٣ / ٦٣٩.
(٣) بحر العلوم : ٣ / ٤١٠ ، معالم التنزيل : ٨ / ٤٦٥.
(٤) هو : عدي بن زيد ، في ديوانه ٦٥ ، وهو من شواهد سيبويه : ١ / ٣٠ ، وابن جني في الخصائص : ٣ / ٥٣. والزيادة من ديوانه والمصادر المذكورة.
(٥) بياض في الأصل ، وما بين معقوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(٦) نسب البغوي في تفسيره : ٨ / ٤٧١ ، وهذا القول إلى عكرمة.
(٧) تفسير مجاهد : ٢ / ٧٦٩ ، وجامع البيان : ٣٠ / ٣٠١.
(٨) ينظر إعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٧٣٠ ، مختصر في شواذ القراءات : ١٧٦.