وما أظنك أن تفعل ، فجعل (عبد الله) إذا دخل نجران لا يلقى أحدا به ضر إلا
قال له :
أتوحد الله ،
وتدخل في ديني ، وأدعو لك أن تعافى من هذا البلاء؟
فيقول له : نعم
، فيوحد ويسلم ، ويدعو له ، فيشفى ، حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ إلا أتاه فاتبعه
على أمره ، ودعا له ، فعوفي.
ورفع شأنه إلى
ملك نجران ، ودعاه ، وقال له : أفسدت علي أهل قريتي ، وخالفت ديني ودين آبائي ،
لأمثلن بك. فقال له : إنك لا تقدر على ذلك ، فجعل الملك يرسل به إلى الجبل الطويل
فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس ، ويبعث به إلى مياه بنجران كالبحور لا
يقع فيها شيء إلا هلك ، فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس ، فلما غلبه ، قال له (عبد
الله) : إنك لا تقدر علي حتى توحد الله وتؤمن بما آمنت به ، فإنك إن فعلت سلّطت
عليّ فقتلتني ، قال : فوحد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله ثم ضربه بعصا في
يده فشجّه شجّة غير كبيرة فقتله ، وهلك الملك مكانه ، واستجمع أهل نجران على دين (عبد
الله) ، وكان على ما جاء به عيسى من الإنجيل وحكمه ، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم
من الأحداث من بعد.
قال : ثم إن ذا
نواس الحميري سار إليهم بجنوده فدعاهم إلى اليهودية ، وكان قد تهوّد اتّباعا لجده (تبع
الأوسط) الذي يقال له : (أسعرتبان) فامتنعوا ، فخيرهم بين ذلك وبين القتل ،
فاختاروا القتل ، فخدّ لهم أخدودا ، وأوقد فيه نارا ، وألقاهم فيها ، فيقال إن آخر
من ألقي منهم امرأة معها طفل ، فتوقفت ، فقال لها ابنها ـ وهو أحد من تكلّم في
المهد ـ يا أم إنما هي ساعة ثم الجنة ، فألقت بنفسها ، وأفلت منهم رجل يقال له (دوس
ذو ثعلبان) على فرس له ، فسلك الرّمل ، فأعجزهم ، فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر
صاحب الروم ، فاستنصره ، فقال له : بعدت بلادك عنا ، ولكني سأكتب لك إلى ملك
الحبشة ، فإنه على هذا الدين ، وهو أقرب إلى بلادك ، فكتب له ، فبعث معه النّجاشي
ـ ملك الحبشة ـ سبعين ألفا من الحبشة ، وأمّر عليهم رجلا منهم يقال له (أرباط) وهو
كان سبب دخول الحبشة اليمن.
قال ابن إسحاق ، ويقال : كان فيمن قبل (ذو نواس) (عبد الله بن التامر)
، قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنّه حدّث : أن رجلا من
أهل نجران حفر خربة له في زمان عمر رضي الله عنه ، فوجد (عبد الله بن التامر)
تحتها دفن فيها قاعدا
__________________