فالجرّ : على أنه نعت على اللفظ ، والرّفع : نعت على الموضع ؛ لأن (مِنْ) زائدة ، والمعنى : ما يكون نجوى ثلاثة (١) ، ومثله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٥٩] و (غَيْرُهُ). ويجوز أن تكون النجوى بمعنى التناجي ، فتكون (ثَلاثَةٍ) مجرورة بالإضافة (٢) ، وفيه بعد من قبل حذف الموصوف ؛ لأنّ التقدير : ما يكون [٩٩ / و] من نجوى نفر ثلاثة ، ولا يجوز الرفع على هذا الوجه (٣).
قوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) [المجادلة : ١٩].
الاستحواذ : الاستيلاء على الشيء بالاقتطاع له ، وأصله من : حاذه يحوذه حوذا ، مثل : حاز يحوزه حوزا (٤) ، وهو أحد ما جاء على أصله ولم يعل (٥) ، وكان قياسه : استحاذ ، مثل : استقام واستعان ، إلا أنه جاء على أصله ، كما يقال : حوكة وقومة وأغيلت المرأة وأغيمت السماء ، وقالوا : استنوق الجمل ، واستتيست الشاة ، والقياس في هذه الأشياء : حاكة وقامة وأغالت المرأة وأغامت السماء واستناق الجمل واستتاست الشاة (٦).
ومن سورة الحشر
قوله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) [الحشر : ٥].
اللينة : كل نخلة سوى العجوة ، وهذا قول ابن عباس وقتادة (٧) ، وقال مجاهد وعمرو بن ميمون وعبد الرحمن بن زيد : كل نخلة لينة ، وقال سفيان : اللينة : الكريمة من النخل (٨).
__________________
(١) قال بهذا النحاس في إعراب القرآن : ٣ / ٣٧٥.
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٤٠.
(٣) ينظر مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٧٢٣.
(٤) ينظر العين : ٣ / ٢٨٤ (حوذ) ، ومجاز القرآن : ٢ / ٢٥٥.
(٥) يقول الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ٥ / ١١٢ (لو جاء استحاذ كان صوابا ، ولكن استحوذ هاهنا أجود ؛ لأن الفعل ذا المعنى لم يستعمل إلا بزيادة). وينظر المقتضب : ٢ / ١٩٨.
(٦) ينظر إعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٣٨٢ ، والمنصف : ١ / ٢٦٧ ، ٢٧٦ ، ومشكل إعراب القرآن : ٢ / ٧٢٣.
(٧) أحكام القرآن : ٣ / ٥٧٣ ، واللسان : ١٣ / ٣٩٣ (لين).
(٨) روى هذا القول عنهم النحاس في إعراب القرآن : ٣ / ٣٩٢ ، وينظر أحكام القرآن : ٣ / ٥٧٣.