المعنى : لا يمس الكتاب الذي في السماء إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة (١) ، وقيل : إلا المطهرون في حكم الله عزوجل (٢) ، وقيل : لا يمسّ القرآن إلا المطهرون ، أي : من كان على وضوء ، وهو قول مالك.
واختلف في (لا) :
فقيل : هي نافية ، و (يمسّ) فعل مستقبل ، والمعنى : ليس يمسّه ، على طريق الخبر ، وليس ينهي. وقيل : هو نهي ، وجاء على لغة من يقول : مدّ يا فتى ، ومسّ يا فتى (٣) ؛ لأن في هذا الفعل لغات (٤) :
منها : أن تفتح آخره فتقول : مسّ ومدّ ، وهذا أفصح اللغات.
ومنها : أن تضمه فتقول : مسّ ومدّ.
ومنها : تكسره فتقول : مسّ ومدّ ، قال الراجز :
قال أبو ليلى لحبل مدّه |
|
حتّى إذا مددته فشدّه |
إنّ أبا ليلى نسيج وحده (٥) |
ومنها : أن يفتح ما كان على (فعل) (يفعل) نحو : مسّ وسفّ ؛ لأنه من مسست وسففت ، ويضم ما كان على (فعل) (يفعل) نحو : مدّ وعدّ ، ويكسر ما كان على (فعل) (يفعل) نحو : مرّ وفرّ ، وهذه لغات أهل نجد ، فأما أهل الحجاز فإنهم يظهرون التضعيف ، فيقولون : أمسس وأمدد وأفرر ، وعليه قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ) [البقرة : ٢١٧] ، فإذا ثنّوا أو جمعوا لم يجز إظهار التضعيف ، ورجعوا إلى اللغة الأولى كراهة لاجتماع المثلين.
وقال الفراء (٦) في قوله : (لا يَمَسُّهُ) أي : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به ، يعني القرآن.
__________________
(١) تفسير مجاهد : ٢ / ٦٥٣ ، وجامع البيان : ٢٧ / ٢٦٧ ، والنكت والعيون : ٥ / ٤٦٤.
(٢) بحر العلوم : ٣ / ٣١٩ ، ومعالم التنزيل : ٨ / ٢٣.
(٣) وضح الوجهين مكي في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٧١٣ ـ ٧١٤.
(٤) ينظر الصحاح : ٣ / ٩٧٨ (مسس).
(٥) لم أقف على قائله فيما توافر لي من مصادر.
(٦) معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٣٠.