والقول الثاني : أنه منصوب على الحال (١) ، على أحد وجهين : إما أن يكون على تقدير :
ذا أمر ، ثم حذف : كما قال : (وَلكِنَّ الْبِرَّ ،) أو يكون وضع المصدر موضع الحال كما يقال : جاء مشيا وركضا ، أي : [٨٧ / ظ] ماشيا وراكضا (٢).
قوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان : ٢٩]
يقال ما معنى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ؟.)
وفيه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن المعنى : أهل السماء والأرض ؛ لأنهم يسخط الله تعالى عليهم في مكان خزي (٣).
والثاني : أن المعنى : لو كانت السماء والأرض ممن يبكي على أحد لم تبك على هؤلاء ؛ لأنهم عصاة مجرمون (٤).
والثالث : أن المعنى : أنه لم تبك عليهم كما تبكي على المؤمن إذا مات مصلاه ومصعد عمله ، وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير ، والأول قول الحسن (٥).
قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان : ٤٩]
يسأل عن معنى : (الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) هاهنا؟
وفيه جوابان :
أحدهما : أن يكون على طريق النقيض ، المعنى : ذق إنك أنت الذليل المهين ، إلا أنه جاء على جهة الاستخفاف ، وهذا في الكلام مستعمل بقول الرجل للرجل يستجهله ويستحمقه : ما أنت إلا عاقل (٦).
والثاني : ذق العذاب إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم ، وما أغنى عنك ذلك شيئا (٧).
__________________
(١) هذا قول الأخفش في معاني القرآن : ٢ / ٤٧٥ ، ووافقه ابن بابشاذ في شرح المقدمة المحسبة : ٢ / ٣١٣.
(٢) مجمع البيان : ٩ / ١٠٢.
(٣) النكت والعيون : ٥ / ٢٥٢.
(٤) بحر العلوم : ٣ / ٢١٨.
(٥) ينظر معاني القرآن للفراء : ٣ / ٤١ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٦ / ٤٠٤.
(٦) ينظر تأويل مشكل القرآن : ١٨٦ ، والصاحبي : ٢٩٠ ، والنكت والعيون : ٥ / ٢٥٨.
(٧) هذا قول الفراء في معاني القرآن : ٣ / ٤٤.