أسقيتهم ودعا عبد المطلب قبائل قريش فقال : هلم إلى الماء ، فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا ، فشربوا واستقوا ، ثم قالوا له : والله لقد قضي لك علينا يا عبد المطلب ، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا ، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشدا ، فرجع ورجعوا ، ولم يصلوا إلى الكاهنة ، قال : وكان قد نذر حين لقي من قريش ما لقي (لئن ولد له عشرة نقر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه [٨٢ / و] لينحرنّ أحدهم عند الكعبة) فلما ولد له عشرة ، وعلم أنهم سيمنعونه ، أحب أن يفي بنذره ، فجمع بنيه وأخبرهم بذلك ، ودعاهم إلى الوفاء لله تعالى ، فأطاعوه ، قالوا : كيف نصنع؟ قال : ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب عليه اسمه ، ثم إئتوني ، ففعلوا ، وأتوه فدخل بهم على (هبل) في جوف الكعبة ، وكان (عبد الله) أحبّ ولده إليه ، فكان يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى ، فلما أخذ صاحب القداح القدح ليضرب بها ، قام عبد المطلب يدعو الله عند هبل ، فضرب صاحب القداح ، فخرج القدح على عبد الله ، فأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ، ثم أقبل إلى أساف ونائلة ليذبحه ، فقالت إليه قريش من أنديتها ، فقالوا ما تريد يا عبد المطلب؟ قال : أذبحه ، قالوا به : والله لا ندعك تذبحه ، لئن فعلت لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه ، فما بقاء للناس على هذا ، وساعدهم بنوه ، فقال له المغيرة بن عبد الله المخزومي : لا ندعك تذبحه حتى تعذر فيه ، فإن كان فداء فديناه بأموالنا ، وقالت له قريش : اذهب إلى عرّافة بالحجاز لها تابع ، فسلها وأنت على رأس أمرك ، فذهب وذهبوا معه إلى خيبر ، فسألوا العرافة عن ذلك ، فقال : ارجعوا عني اليوم حتى يأتي تابعي فأسأله ، فرجعوا ، فلما كان من الغد ، عادوا إليها ، فقالت لهم : قد جاءني الخبر ، كم الدية فيكم؟ قالوا عشرة من الإبل ، وكانت كذلك ، قالت : فارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الإبل ، ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم. فان خرجت على الإبل فانحروها عنده ، فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم ، فرجعوا إلى مكة فلما اجمعوا على ذلك قام عبد المطلب يدعو الله ، ثم قربوا عبد الله وعشرا من الإبل ، وعبد المطلب يدعو ، فخرج القدح على عبد الله ، فزادوا عشرا ، وضربوا فخرج على عبد الله ، فزادوا عشرا فخرج على عبد الله ، فزادوا عشرا فخرج على عبد الله ، إلى أن بلغت مائة فخرجت على الإبل ، فقالت قريش ومن حضر : قد انتهى ، رضي ربك يا عبد المطلب فقال : لا والله ، حتى أضرب عليها ثلاث مرات ففعل ، فخرج في جميع ذلك على الإبل ، فنحرت وتركت لا يصد عنها إنسان ولا سبع (١) ، فكان النبي عليهالسلام.
__________________
(١) ينظر قصة عبد المطلب مع حفر زمزم ومع ابنه عبد الله في أخبار مكة ٢ / ٤٢ ـ ٤٩.