فصل :
ويسأل عن قوله : (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ ،) وإنما العصبة هي التي تنوء بها؟
والجواب : أنّه يقال : نؤت بالحمل ، وأنأت غيري ، ونؤت بغيري ، كما تقول ذهبت وأذهبت غيري وذهبت به (١) فالباء والهمزة تتعاقبان في تعدي الفعل (٢) ، ولهذا لا يجوز أن يجمع بينهما لا تقول : أدخل بزيد الدّار ، ولكن : أدخل زيدا الدّار ، ودخل بزيد الدّار (دُخِلَتْ) [الأحزاب : ١٤] إن شئت ، ومثل ذلك قوله تعالى : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) [مريم : ٢٣] ، وإنّما معناه : فجاء بها ، وقيل : إنّما جاز ذلك لأنّه (دخل) فيها معنى (تميل) ، أي : تميل بالعصبة ، فأمّا قول أبي عبيدة (٣) : إنّه مقلوب وإنّ المعنى لتنوء العصبة بها ، كما قال :
إنّ سراجا لكريم مفخرة |
|
تحلا به العين إذا ما تجهره (٤) |
[٧١ / و] أي : يحلا بالعين ، فقلب. وقال آخر :
كانت عقوبة ما جنيت كما |
|
كان الزّناء عقوبة الرّجم (٥) |
وقال امرؤ القيس :
يضيء الظّلام وجهها لضجيعها |
|
كمصباح زيت في قناديل ذبّال (*) |
أي : في ذبّال قناديل ، والذبّال في القناديل.
وهذا ليس بشيء ولا يجب أن يحمل القرآن عليه ؛ لأنّ هذه تجري مجرى الغلط من العرب ، ومثل هذا في شعرهم كثير ، قال الآخر (٦) :
مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت |
|
نجران أو بلغت سوءاتهم هجر |
وكان حقه أن يقول (هجر سوءاتهم) لأنّ السوءات هي التي تبلغ هجر ، وقال (٧) :
__________________
(١) هذا قول النحاس في إعراب القرآن : ٢ / ٥٥٨ ، وينظر تأويل مشكل القرآن : ٢٠٣.
(٢) ينظر المقتضب : ٤ / ٣٢.
(٣) مجاز القرآن : ٢ / ١١٠.
(٤) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٢ / ٣١٠ ، واليزيدي في تفسير غريب القرآن : ٢٩٣ ، والطبري في جامع البيان : ٢٠ / ١٣٤.
(٥) سبق تخريجه.
(*) سبق تخريجه.
(٦) البيت للأخطل ، ديوانه : ١١٠ ، وهو من شواهد ابن جني في المحتسب : ٢ / ١١٨.
(٧) البيت للفرزدق ، ديوانه : ١ / ٢٥٤ ، وهو من شواهد الزجاجي في الجمل : ٢٠٤.