وقال بعضهم (١) : يراها بعد جهد ومشقة رؤية تخيّل لصورتها ؛ لأنّ حكم (كاد) إذا لم يدخل عليها حرف نفي أن تكون نافية ، وإن دخلها حرف نفي دلّت على أنّ الأمر وقع بعد بطء. فالأول كقوله تعالى : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) [النور : ٤٣] ، فهذا نفي إلا أنه قارب ذلك ، وقال : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] ، والمعنى فعلوا بعد بطء.
وقيل (٢) : (كاد) هاهنا دخلت للنفي كما يدخل الظن بمعنى اليقين ، قال الحسن : لم يرها ولم يقارب الرؤية (٣) ، قال الشاعر (٤) :
ما كدت أعرف إلّا بعد إنكار
وقال ذو الرمة (٥) :
إذا غيّر النّأي المحبّين لم يكد |
|
على كلّ حال حبّ ميّة يبرح |
ويروى : رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح (٦).
والظلمات : ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل ، وكذا حال الكافرين ظلمة واعتقادهم ظلمة ومصيرهم إلى ظلمة ؛ وهي نار يوم القيامة (٧).
قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) [٦٦ / ظ] (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) [النور : ٤٣].
البرد : حجارة تنعقد من الثلج (٨) ، والسنا : النور (٩).
قيل : في السماء جبال برد مخلوقة ، وقيل : بل المعنى قدر جبال يجعل منها بردا (١٠).
__________________
(١) رجّح هذا الوجه الفراء في معاني القرآن : ٢ / ٢٥٥.
(٢) أيضا قال بهذا الفراء في معاني القرآن : ٢ / ٢٥٥.
(٣) ينظر النكت والعيون : ٤ / ١١١.
(٤) البيت لجرير ، ديوانه : ١ / ٣١٠ ، وهو عجز بيت صدره : (حيّوا المقام وحيّوا ساكن الدّار).
(٥) ديوانه : ١٠٨ ، وهو من شواهد الطبرسي في مجمع البيان : ٧ / ٢٥٧.
(٦) العين : ٧ / ١٩١ (رسّ) ، جامع البيان : ١٦ / ١٩٠ ، وزاد المسير : ١ / ٣٥.
(٧) زاد المسير : ٥ / ٣٦٦.
(٨) ينظر العين : ٨ / ٢٧ (برد).
(٩) ينظر الصحاح : ٦ / ٢٣٨٣ (سنا).
(١٠) ينظر جامع البيان : ٦ / ١٣٤ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٤ / ٥٤٤ ، وزاد المسير : ٥ / ٣٦٨.