الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك. والظلمات هاهنا : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت (١) ، هذا قول ابن عباس وقتادة ، وقال سالم بن أبي الجعد (٢) : كان حوت في بطن حوت (٣).
وقدّر بعض السلف حذف حرف الاستفهام ، كأنّه قال : أفظنّ أن لن نقدر عليه (٤) ، وأنكره علي بن عيسى ، وقال لا يجوز حذف حرف الاستفهام من غير دليل عليه ، وقال الأصمعي : ما حذفت ألف الاستفهام إلّا وعليها دليل ، وقد جاء حذفها على خلاف ما قال (٥) ، أنشد النحويون لعمر بن أبي ربيعة (٦) :
ثمّ قالوا تحبّها قلت بهرا |
|
عدد القطر والحصى والتّراب |
أي : أتحبها؟
وروي عن الشعبي وسعيد بن جبير أنهما قالا : خرج مغاضبا لربه ، وهذا القول مرغوب عنه ، لا يجوز مثل هذا على نبي من أنبياء الله تعالى ، وقال بعضهم : غضب لمّا عفا الله عنهم إذا آمنوا ، وهذا القول أيضا لا يصحّ ؛ لأنه يؤدي إلى الاعتراض على الله تعالى فيما فعله ، وأشد من هذا ما رواه بعضهم من أن المعنى في قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ظن أننا نعجز عنه ، وهذا كفر ، فمن ظن أن الله تعالى لا يقدر عليه ، لا يجوز هذا كله على أنبياء الله تعالى.
وفي هذه الآية دلالة على أن الصغائر تجوز على الأنبياء ـ عليهمالسلام ، وهم معصومون عن الكبائر ، ومعصومون عن الكبائر والصغائر في حال الرسالة.
وكان بقاء يونس عليهالسلام في بطن الحوت حيا معجزة له (٧).
__________________
(١) ينظر معالم التنزيل : ٥ / ٣٥١.
(٢) وهو أحد ثقات التابعين (ت ٩٩ ه) وقيل غير ذلك. ينظر ترجمته في الإصابة : ٣ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، وتقريب التهذيب : ٣ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤.
(٣) التبيان في تفسير القرآن : ٧ / ٢٧٤ ، ومجمع البيان : ٧ / ١٠٩.
(٤) النكت والعيون : ٣ / ٤٦٦.
(٥) ينظر الخصائص : ٢ / ٢٨١.
(٦) ديوانه : ٦٠ ، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ١٥٧ ، وابن جني في الخصائص : ٢ / ٢٨١.
(٧) ينظر تأويل مشكل القرآن : ٤٠٢ ـ ٤٠٩.