والرابع : أن يكون رفعا ب : (أَسَرُّوا) على لغة من قال : أكلوني البراغيث (١).
فهذه أربعة أوجه في الرفع.
والخامس : أن يكون في موضع نصب بإضمار (أعني) (٢).
والسادس : أن يكون في موضع جر بدلا من (الناس) في قوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ) [الأنبياء : ١].
وقد ذهب بعضهم إلى أنه نعت للناس (٣).
فهذه سبعة أوجه.
قوله تعالى :
(أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) [الأنبياء : ٤٤]
النقص : نقيض الزيادة ، واختلف العلماء في معنى (نَنْقُصُها) :
فقال بعضهم : ننقصها بخرابها : وقيل : بموت أهلها ، وقيل : ننقصها من أطرافها بما يفتح الله عزوجل على نبيه منها ، وما ينقص من الشرك بإهلاك أهلها ، [٥٨ / و] وقيل : ننقصها بموت العلماء (٤) ؛ لأنّه من أشراط الساعة ، وقد جاء في الحديث : (إنّ الله لا ينزع العلم انتزاعا ولكن ينتزعه بموت العلماء فيتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا فيضلون ويضلون) (٥) ، وكان يقال : الأطراف مكان الأشراف.
فصل :
وممّا يسأل عنه أن يقال : ما الأصل في قوله : (أَنَّا)؟
والجواب : أن الأصل فيها أننا ، فحذفت إحدى النونات كراهة لاجتماع ثلاث نونات ، والوجه أن تكون المحذوفة الوسطى ؛ لأن الثالثة اسم مع الألف ولا يجوز حذفها ، والأولى
__________________
(١) ينظر مجاز القرآن : ٢ / ٣٤ ، ومعاني القرآن للأخفش : ٢ / ٤١٠.
(٢) هذا رأي الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ٣ / ٣١١.
(٣) هذا رأي الفراء في معاني القرآن : ٢ / ١٩٨.
(٤) ينظر النكت والعيون : ٣ / ٤٤٩.
(٥) نصّه في صحيح مسلم ٨ / ٦٠ : (إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعا ، ولكن يقبض العلماء ، فيرفع العلم معهم ويبقى في النّاس رؤوسا جهالا يفتون بغير علم فيضلون ويضلون).