واختلف في الإمام هاهنا (١) :
فقيل : إمامهم نبيهم ، وهو قول مجاهد وقتادة.
وقال ابن عباس والحسن والضحّاك : إمامهم كتاب عملهم.
وقيل : كتابهم الذي أنزله الله تعالى فيه الحلال والحرام والفرائض ، وهو قول ابن زيد.
وقيل : من كانوا يأتمون به في الدنيا ، وهو قول أبي عبيدة (٢).
ويسأل عن قوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء : ٧٢]؟
والجواب : أن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد قالوا : من كان في هذه الدنيا وهي شاهدة له من تدبيرها وتصريفها أعمى عن اعتقاد الصواب فهو في الآخرة التي هي غائبة عنه أعمى (٣).
وقرأ أبو عمرو (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) بالإمالة ، وفخّم (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ،) واستشهد بقوله : (وَأَضَلُّ سَبِيلاً ،) أي : أشد عمى ، وهو من عمى القلب ، وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وحفص عن عاصم بالتفخيم فيه جميعا ، وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بكر عن عاصم بالإمالة فيهما جميعا (٤).
وقيل : فهو في الآخرة أعمى عن طريق الجنّة.
واحتج قوم لقراءة (٥) أبي عمرو بأنّ الأول رأس آية فجازت إمالته ، وليس الثاني كذلك ففخم.
وقد ذكرنا أنه من عمى القلب ، ولا يجوز أن يكون من عمى البصر ؛ لأنّه لا يقال : هذا أعمى من هذا ، كما لا يقال : هذا أحمر من هذا ، وكذا جميع الألوان والعاهات والخلق (٦).
__________________
(١) ينظر في هذه المسألة مفصلة في : جامع البيان : ١٥ / ١٥٧ ـ ١٦٠ ، والجامع لأحكام القرآن : ١٠ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧.
(٢) مجاز القرآن : ١ / ٣٨٦.
(٣) تفسير ابن عباس : ٣٢٢ ، ومعاني القرآن للفراء : ٢ / ١٢٨.
(٤) ينظر السبعة : ٣٨٣ ، والتيسير : ١٤٠.
(٥) ينظر الحجة لأبي علي الفارسي : ٥ / ١١٢ ـ ١١٣.
(٦) ينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٢٨ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢٥٢.