ويسأل عن قوله تعالى : (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟)
وعنه جوابان : [٤٤ / و]
أحدهما : أنها بغير عمد ونحن نراها كذلك ، وهو قول قتادة وإياس بن معاوية (١).
والثاني : أنها بعمد لا نراها ، وهو قول ابن عبّاس ومجاهد (٢).
وأنكر بعض المعتزلة هذا القول (٣) ، قال : لأنّه لو كان لها عمد لكانت أجساما غلاظا ، وكانت ترى والله عزوجل إنما دلّ بهذا على وحدانيته من حيث لا يمكن أحد أن يقيم جسما بغير عمد إلا هو فلذلك كان هذا التأويل خطأ.
والجواب عن هذا أنه : إذا رفع السّموات بعمد وتلك العمد لا ترى ، فيه أعظم قدرة ، كما لو كانت بغير عمد.
وقال النّابغة (٤) في العمد :
وخيس الجنّ إنّي قد أذنت لهم |
|
يبنون تدمر بالصفّاح والعمد |
قوله تعالى : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [الرعد : ٥].
العجب والتّعجب : هجوم ما لا يعرف سببه على النّفس (٥).
قرأ نافع والكسائي أَإِذا كُنَّا تُراباً إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ على الاستفهام في الأول والخبر في الثاني ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم بالاستفهام في الموضعين جميعا ،
__________________
(١) أبو معاوية ، قاضي البصرة ، قتله الأزارقة سنة (٦٤ ه). ينظر الطبقات الكبرى : ٧ / ٢٣٤ ، وطبقات خليفة : ٣٠١.
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء : ٢ / ٥٧ ، ومعاني القرآن للنّحاس : ٣ / ٤٦٧ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٣٩٦ ، والنكت والعيون : ٣ / ٩٢.
(٣) وهو قول الجبائي ، ينظر التبيان في تفسير القرآن : ٦ / ٢١٣.
(٤) ديوانه : ٣٣ ، وهو من شواهد الخليل في العين : ٤ / ٢٨٨ (خيس) ، وأبي عبيدة في مجاز القرآن : ١ / ٣٢٠ ، والطبري في جامع البيان : ٣ / ١٢١ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ٩ / ٢٧٩.
خيس : ذلل. العين : ٤ / ٢٨٨ (خيس). تدمر : بلد بالشام بناها سيدنا سليمان عليهالسلام معجم البلدان : ٢ / ١٧.
الصفاح : حجارة عراض رقاق. اللسان : ٢ / ٥١٣ (صفح).
(٥) ينظر المفردات في غريب القرآن : ٣٢٢.