منها : أن الكلام خرج مخرج الأمر على جهة التّعظيم لفاعله من نحو : كن فيكون ، من غير معاناة ولا لغوب.
ومنها : حسن تقابل المعاني.
ومنها : حسن ائتلاف الألفاظ.
ومنها : حسن البيان في تقدير الحال.
ومنها : الإيجاز من غير إخلال.
ومنها : تقبل الفهم على أتمّ الكمال.
إلى غير ذلك من المعاني اللطيفة (١) ، وقد رأيت في معنى هذه الآية في نصف سفر من أسفار التوراة ، وأنت تراها هاهنا في غاية الإيجاز والاختصار والبيان ؛ ويروى أن كفّار قريش لمّا تعاطوا معارضة القرآن عكفوا على لباب البر ولحوم الضّأن وسلاف الخمر أربعين يوما ؛ ليصفّوا أذهانهم ، وكانوا من فصحاء العرب ، وأخذوا فيما أرادوا ، فلمّا سمعوا هذه الآية قال بعضهم لبعض : هذا كلام لا يشبه كلام المخلوقين وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا (٢).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود : ٦٩].
السّلام في الكلام على أربعة أوجه :
السّلام التّحية ، والسّلام اسم من أسماء الله عزوجل ، ومنه قوله تعالى : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [الأنعام : ١٢٧](٣) ، والسّلام جمع سلامة مثل حمام وحمامة ، وقد قيل في قوله تعالى : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) أي : دار السّلامة ؛ لأن من صار إليها يسلم من آفات الدّنيا وعذاب النّار ، والسّلام ضرب من الشّجر وهو من العضاه ، سمي بذلك ؛ لأنّه لعظمه يسلم من العوارض الدّاخلة عليه.
والحنيذ : المشوي ، وهو (فعيل) بمعنى (مفعول) أي : محنوذ (٤) ، كما يقال : طبيخ ومطبوخ.
__________________
(١) لقد فصّل القول فيها الجرجاني في دلائل الإعجاز : ٤٥.
(٢) مجمع البيان : ٥ / ٢٨٢.
(٣) ينظر الصحاح : ٥ / ٩٥١ ـ ٩٥٢ (سلم).
(٤) العين : ٣ / ٣٠١ (حنذ) ، وجامع البيان : ١٢ / ٩٠ ، وزاد المسير : ٤ / ١٠٢.