أقاما زمانا لا يولد لهما ، فمرّ بهما الشّيطان ، ولم يعرفاه ، فشكوا إليه ، فقال لهما : إن أصلحت حالكما حتى يولد لكما أتسميانه باسمي؟ فقالا : نعم ، وما اسمك؟ قال : الحارث ، فولد لهما ، فسمياه (عبد الحارث) (١). وهذا القول بعيد ولا يجوز مثل هذا على نبي من أنبياء الله تعالى ، والقول الأول أوضح هذه الأقاويل.
قوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) [الأعراف : ١٩٣].
الهمزة في قوله : (أَدَعَوْتُمُوهُمْ) همزة تسوية كالذي في قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] ، و (أم) معادلة (٢) لها.
ويسأل على من يعود الضّمير في قوله : (أَدَعَوْتُمُوهُمْ؟). وفيه جوابان (٣) :
أحدهما : أنّه يعود إلى قوم من المشركين قد صبؤوا بالكفر ، وهو قول الحسن.
والثاني : أنّه يعود إلى الأصنام ، وهو قول أهل المعاني.
ويقال : لم قال : (أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) ولم يقل : أم صمتّم؟
والجواب : أنّه أتى بذلك ؛ لإفادة الماضي والحال ؛ لأنّ المقابلة قد دلّت على الماضي ، واللّفظ دلّ على معنى الحال (٤) ، قال الشاعر :
سواء عليك الفقر أم بتّ ليلة |
|
بأهل القباب من غير بني عامر (٥). |
فقابل الفعل الماضي بالاسم المبتدأ ، كما قوبل في الآية المبتدأ بالفعل الماضي ، وساغ هذا فيه ، لأنّها جملة من مبتدأ وخبر قابلت جملة من الفعل والفاعل.
ومن سورة الأنفال
قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) [الأنفال : ٥].
__________________
(١) ينظر تفسير مجاهد : ١ / ٢٥٣ ، وتفسير القرآن للصنعاني : ٢ / ٢٤٥ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ١١٥.
(٢) شرح اللمع لابن برهان : ٤٠٨ ـ ٤٠٩ ، والمقتصد : ١ / ٢٣٨.
(٣) ينظر جامع البيان : ٩ / ٢٠٠ ، وزاد المسير : ٣ / ٢٠٧.
(٤) ينظر الكتاب : ١ / ٤٣٥ ، والأصول : ٢ / ١٦١ ، والمجيد : (تحقيق : إبراهيم) : ٣٣٦.
(٥) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن : ١ / ٤٠١ ، وجامع البيان : ٩ / ٢٠١ ، والدر المصون : ٣ / ٣٨٤.
وفيها : (من نمير بن عامر) ، بدلا من : (من غير بني عامر).